عطفاً على ما سبق في بيان صحيحة زرارة الأولى في دلالتها على حجية الاستصحاب مطلقاً ولا ينحصر بالوضوء، ويدل عليه الفقرة التالية (قلت: فإن حُرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم؟ قال×: لا، حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجني من ذلك أمر بين، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين بالشك أبداً، ولكنه ينقضه بيقين آخر)، فإنّه قوله (وإلّا فإنّه على يقين)، فهذه جملة شرطية وجوابها أمّا أن يكون محذوفاً، ويدل عليه التعليل الوارد كما مرّ تفصيل ذلك أو غير محذوف، بل الجواب أمّا أن يكون قوله عليه السلام (ولا ينقض اليقين بالشك) ويكون قوله عليه السلام (فإنّه على يقين من وضوئه) تقدمة وتوطئة للجواب، أو يكون الجواب قوله عليه السلام (فإنّه على يقين من وضوئه) والكلام كما أشار إليه بعض الأعلام المعاصرين يقع في مقامين: الأول: في صحة هذا التركيب لغة وعرفاً، والثاني: في استفادة حجية الاستصحاب مطلقاً على فرض تقدير صحة التركيب.

أمّا الكلام في المقام الأوّل: فالظاهر عدم صحة كون الجواب أحد الأمرين المذكورين.

بيان ذلك:  أمّا الأمر الأول وقوله عليه (ولا ينقض اليقين بالشك)، فإنّه لا يصح أن يكون جواباً لمكان الواو الاستينافية وأمّا الأمر الثاني وهو قوله: (فإنّه على يقين من وضوئه)، فإنّه لا يصلح جواباً لأنه كما هو الظاهر إمّا أن يكون جملة خبرية وهي أمّا أن تكون فعلية أو إسمية أو يكون جملة إنسانية، فإن بني على ظاهره من كونه جملةً خبرية، فلا يصح كونه جواباً، لعدم ترتبه على الشرط المستفاد من قوله عليه السلام (وإلّا) لأنّ المراد من اليقين في قوله عليه السلام (فإنّه على يقين من وضوئه) هو اليقين بالوضوء السابق وهذا حاصل له مطلقاً، سواء إستيقن بالنوم أم شك فيه، فلا يكون مترتباً على الشرط المستفاد من قوله عليه السلام (وإلّا) أي وإن لم يستيقن أنّه قد نام، فلا يصح كونه جواباً عنه.

وإن بني على أنّه جواب وكونه من الجهة الإنشائية في المعنى، أي يجب عليه المضي على يقينه من حيث العمل فتكون جملة إسمية في مقام الطلب، كان يقال: (زيد قائم) إلّا أنه يراد منه يجب عليه القيام.

وأورد عليه: أنّه لم يعثر على استعمال الجملة الإسمية في مقام الطلب إنّما ذلك كما في الروايات في الجمل الخبرية الفعلية.

فإنّها استعملت كثيراً في الطلب كما ورد عنه السؤال على اعادة الصلاة مثلاً فيقول عليه (يعيد) أو (عاد) أي يجب عليه أن يعيد.

ولكن تستعمل الجملة الإسمية لا في مقام الطلب بل لإنشاء المحمول كما يقال (انتِ طالق)، فإنّه في مقام إنشاء الطلاق كما في الايقاعات والإنشائيات غير الطليقة.

ثم لو قيل: بأنّ الجملة الإسمية كالفعلية في مقام الطلب، ولكن لا يستفاد منها وجوب المضي والجري العملي على طبق التعيين كما كان في الفعلية، بل تكون طلباً للمادة، فإنّ قوله (يعيد) أو (اعاد) هو طلب للإعادة، ويكون قوله عليه السلام (فإنّه على يقين من وضوئه) هو طلب لليقين بالوضوء، وهذا من تحصيل الحاصل، فلا معنى له لكون المفروض أنه متيقن من وضوئه.

وأمّا الكلام في المقام الثاني: فإنّه لو قبل صحة التركيب وصحة الجواب سواء الأمر الأوّل أو الثاني، فالظاهر استفادة حجية الاستصحاب مطلقاً من الصحيحة، سواء  على تقدير أن يكون الجواب هو قوله عليه السلام (فإنّه عن يقين من وضوئه) أو قوله عليه السلام: (ولا ينقض اليقين بالشك) وإنّما يدلان على الاستصحاب وحجيته مطلقاً في الوضوء وغيره لوجود قرينة خارجية وقرينة داخلية تدلان على المطلوب.

أمّا القرينة الخارجية: فهي ذكر هذه الفقرة بأن لا تنقض اليقين بالشك قد ورد في روايات متعددة في أبواب أخرى غير باب الوضوء، كما سنتعرض لها إن شاء الله تعالى، مما تدل هذه الروايات المستفيضة والمتعددة في موارد مختلفة على عدم جواز نقض اليقين السابق بالشك اللاحق، ويكون ذلك بنحو قاعدة كلية تدل على حجيّة الاستصحاب ولا اختصاص لها بيان الوضوء وأمّا القرائن الداخلية فأمور، وهذا ما يأتينا تفصيله إن شاء الله تعالى.