من الجهات التي تطرح في مباحث الاستصحاب ويكون بمنزلة مقدمة من مقدمات الاستصحاب البحث في الفرق بين الاستصحاب وبين قاعدة اليقين وبين قاعدة المقتضي والمانع.

وقبل الدخول في صلب الموضوع يشار إلى أنّ اليقين والشك أمران وجوديان لا يجتمعان في زمان ومكان واحد لغاية التنافر بينهما، فهما من المتضادين كالسواد والبياض.

وربما يقال من المتناقضين وهما أمران وجودي وعدمي لا يجتمعان ولا يرتفعان كالإنسان واللإنسان وذلك باعتبار خصوصية فيهما وهي أن اليقين يعتبر فيه عدم احتمال الخلاف، ولكن الشك يعتبر فيه احتمال الخلاف، فمرجعهما إلى احتمال الخلاف وعدم احتماله، وبين هاتين الخصوصيتن تناقض كما هو واضح.

وكيف ما كان، فإنّ÷ لا يمكن اجتماع اليقين والشك لشخص واحد في مورد واحد وفي زمان واحد، وحينئذٍ إذا إجتمع اليقين والشك لشخص فلا يخلو الحال أمّا أن يكون متعق كل واحد منهما لا إرتباط بالآخر كما لو كانا من المتباينين كما لو تيقن بعدالة زيد وشك في اجتهاده، فهذا مما هو خارج عن البحث تخصصاً وموضوعاً.

وأمّأ أن يكون بينهما ارتباط نوعاً ما وفي الجملة، وهذا لا يخلو أيضاً، أمّا أن يكون الارتباط بنحو أن يكون متعلق اليقين جزء علّة لمتعلق الشك، فيكون متعلق اليقين هو المقتضي  ـ اسم فاعل بالكسر ـ ومتعلق الشك هو المقتضي ـ إسم مفعول بالفتح ـ فإذا كان اليقين بتحقق المقتضي ـ بالكسر ـ إلّا أنّه يشك في تحقق المقتضي ـ بالفتح ـ لاحتمال وجود المانع، فهذا هو مورد قاعدة المقتضي والمانع، ويأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

أو يكون الإرتباط بنحو يكون متعلق اليقين ومتعلق الشك متحداً ذاتاً ومتغايراً زماناً، وهذا لا يخلو أيضاً إمّا أن يكون متعلّق اليقين مقدّماً وسابقاً ومتعلّق الشك مؤخراً ولاحقاً، بأن يكون الشيء الواحد متيقن الحدوث ومشكوك البقاء، والشك فيه يسمى بالشك الطارئ ويقابله الشك الساري كما سيأتي، فهذا هو مورد الاستصحاب الذي يبحث عنه في المقام.

ثم لا فرق في هذا الاستصحاب بين أن يكون اليقين في حدوثه مقدماً على الشك من حيث الزمان أو مؤخراً عنه أو يكونا متقاربتين في الزمان.

أو يكون أن يكون متعلق الشك مقدماً على متعلق اليقين بأن يكون الشيء متيقن في الزمن اللاحق ومشكوك في الزمن السابق وهذا ما يسمى بالاستصحاب القهقرائي، وهذا لا يدخل في دليل حجية الاستصحاب أي ما جاء في الأخبار لتقديم متعلق اليقين على متعلق الشك كما في قوله عليه السلام: (لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت) ^([1]).

فلا يكون الاستصحاب القهقرائي حجّة إلّأ في مورد واحد وهو ما كان اللفظ متيقن المعنى عند العرف فعلاً ويشك أنه هل كان كذلك في عصر الأئمة والأصحاب، فإنّه يستصحب ذلك إلى عصرهم باستصحاب قهقرائي ولابدّ أن يكون حقيقة في اللغة وفي عرف الأئمة عليهم السلام تمسكاً بأصالة عدم النقل، وإنّما تثبت حجية الاستصحاب في هذا المورد الخاص ببناء العقلاء، ولولا حجية ذلك لانسد علينا باب الاستنباط لاحتمال اختلاف الاستعمالين في العرف الحالي والعرف السابق.

هذا فيما إذا كان متعلق اليقين والشك متحداً ذاتاً ومتغايراً زماناً، وأمّا إذا كان متعلقهما متّحد ذاتاً ومقارناً زماناً، وهذا إنّما يتصور مع إختلاف اليقين والشك من جهة الزمان، وهذا تارة يكون الشك مقدماً على اليقين كما إذا شككنا يوم الخميس في عدالة زيد يوم الأربعاء، ثم علمنا يوم الجمعة عدالته يوم الأربعاء، فهنا يعمل بوظيفة الشاك ما دام شاكاً، كما يعمل بوظيفة المتيقن بعد تبدلّ شكه في يوم الأربعاء باليقين في يوم الجمعة.

وأخرى يكون اليقين مقدماً على الشك ويسمى بالشك الساري لأنه يسري إلى نفس متعلق اليقين، كما إذا علمنا يوم الخميس بعدالة زيد يوم الأربعاء وشككنا يوم الجمعة في عدالته يوم الأربعاء، لاحتمال أن يكون علمنا السابق من الجهل المركب، وهذا هو مورد قاعدة اليقين، يأتي تفصيل الكلام فيه، بأنّه هل يدخل تحت قاعدة الاستصحاب ويشمله أدلّته أم لا؟ وهل هناك دليل آخر يدل على حجيته أم لا، وهذا ما يأتينا تفصيله إن شاء الله تعالى.