عطفاً على ما سبق: في مسألة جواز السجود على القرطاس مطلقاً تمسكاً بالمطلقات الواردة في المقام، إلّا أنّ بعض الأعلام المعاصرين قائل في إطلاقها.

أمّا صحيحة صفوان الجمال قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام في المحمل يسجد على القرطاس، وأكثر ذلك يؤمئ إيماءً^([1]).

فإنّها تسقط عن الاعتبار والاحتجاج بها أولاً: لإجمال الواقعة المحكية فيها. وثانياً: لإجمال القرطاس، فلا يعلم كان متخذاً من النبات أو غيره.

وأمّا صحيحة علي بن مهزيار. قال: سأل داود بن فرقد أبا الحسن عليه السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب: يجوز^([2]).

فيرد علىإطلاقه أنه وارد مورد السؤال عن مانعية الكتابة عن جواز السجود على ما يصح السجود عليه من أنواع القرطاس، وليس في مقام تشريع جواز السجود على القرطاس، فلا ينعقد الإطلاق حينئذٍ.

وأمّا صحيحة  جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة^([3]).

فيرد على إطلاقه كذلك أنها ليست في مقام التشريع حتى يؤخذ بإطلاق كلام الإمام عليه السلام، هذا بناءً على ظهور الصحيحة في الجواز أي إنّما تدل على جواز السجود على القرطاس، أمّا بحمل ما ورد فيها من الكراهة على الكراهة المصطلحة لا الحرمة لاستعمال الكراهة في الحرمة في بعض الروايات أي النهي فيها تنزيها وليس التحريم، فيكون جائزاً على كراهة. أو بحمل المكروه على عدم الجواز وعلى المنع في خصوص المكتوب عليه، مما يدل بالمفهوم أو الفحوى على الجواز في غيره.

وإذا لم يكن الإطلاق في النصوص فيشكل حينئذٍ السجود على القرطاس اختياراً، حتى لو كان متخذاً ومصنوعاً ممّا يجوز السجود عليه، إنّما يشكل الجواز لعدم صدق الأرض وما أنبتت عليه.

نعم لو كان المستند في المقام هو الإجماع بقسميه المحصل والمنقول كما في كثير من الكلمات، فإنّه يقال بالجواز حينئذٍ إلّا أنّ الإجماع من الدليل اللّبي، والمفروض أن يؤخذ بالقدر المتيقن منه، وهو إنّما يجوز على القرطاس المتخذ مما يصحّ السجود عليه كالنبات غير المأكول والملبوس، فما أخذ من القطن والكتان لا يصحّ السجود عليه.

فالأخذ بالإطلاق في الروايات مشكل واشكل منه القول بتقييد المطلقات بالمتخذ من النبات أي صحة السجود على القرطاس المتخذ من النبات مطلقاً حتى لو كان فما يؤكل ويلبس كما في عبارة المصنف في قوله: (يجوز السجود على القرطاس وإن كان متخذاً من القطن أو الصوف أو الابريسم أو الحرير وكان فيه شيء من النورة).

فإنّه لا يتم كلامه مطلقاً سواء أكان لنصوص القرطاس إطلاق أم لم يكن. لأنّه إن لم يكن لها إطلاق، فإنّه يلزمه أن يتعين ما ذُكر من أنه يشكل جواز السجود على القرطاس في حال الإختيار حتى المتخذ مما يجوز السجود عليه. لعدم صدق الأرض أو ما أنبتت عليه، وإن كان لها إطلاق فإن قيل بمعارضتها بإطلاق المنع عن السجود وعلى ما لم يكن من الأرض ولا من نباتها غير المأكول والملبوس، فإنّه كذلك يتعين القول الذي ذكر من أنه يشكل السجود على القرطاس إختياراً حتى المتخذ ممّا يجوز السجود عليه.

ولكن بناء على العمل بإطلاق روايات القرطاس وعدم معارضتها بها ذكر، فإنّه يتعين القول بما قاله المصنف والمشهور من جواز السجود على القرطاس مطلقاً.

هذا إجمال ما ذهب إليه بعض الأعلام المعاصرين.

وخلاصة القول في المسألة جواز السجود على القرطاس أنها ذات أقوال ثلاثة:

الأول: جواز السجود على القرطاس مطلقاً كما عند المشهور والمصنف.

الثاني: جواز السجود على القرطاس المتخذ من النبات فلا يجوز على ما اتخذ من الصوف أو الحرير.

الثالث: جواز السجود على القرطاس المتخذ من النبات بما كان من جنس ما يصح السجود عليه كالخشب ونحوه.

فلا يجوز على ما كان مادته من القطن والكتان، إلّا أن قيل بجواز السجود عليهما إختياراً.

وكما مرّ أنّ منشأ الخلاف في الأعم الأغلب بين الأعلام والفقهاء العظام إنما هو باعتبار ما ورد من الروايات المختلفة أولاً، وقراءة مدلول الأخبار الواردة في كل مسألة من حيث السعة والضيق والدلالة على الإطلاق وعدمها ثانياً، كما في المقام كما في الاشكال على صحيحة صفوان بأنها قضية في واقعة وحكاية فعل مجمل العنوان، فلا تدل على الإطلاق، وأمّا صحيحة بن مهزيار فإنها تدل على الجواز في القرطاس الذي لم يكتب عليه، فهي تدل على عدم الفرق بين القرطاس المتخذ مادته من نبات الأرض أو من غيره كالصوف، فضلاً عن كون النبات ممّا يصحّ السجود عليه وعدمه، وصحيحة جميل حمل الكراهة فيها على المصطلح، فتدل على الجواز في القرطاس الذي ليست عليه كتابة بالفحوى، ثم مقتضي الإطلاق شمول الحكم للقرطاس بأقسامه.

وقيل: إنّما يصح السجود على القرطاس مطلقاً وإن كان من النبات المأكول والملبوس لاستحالته إلى حقيقة أخرى، فلا يصدق عليه الأرض ولا نباتها بحسب لصدق العرفي، وإن كانت المادة تتخذ منها، وسيدنا الخوئي تفصيل الكلام في المقام، فراجع.

(شرح العروة: 13: 135 ـ 138) ويختار أن الأقوى جواز السجود على القرطاس مطلقاً، كماهو المختار،ـ بأن كان الأحوط استحباباً عدم السجود على المتخذ من غير النبات، وأحوط منه اعتبار كون النبات مما يصح السجود عليه فراجع، والله العالم بحقائق  الأمور.

مسألة 23: إذا لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه من الأرض، أو نباتها أو القرطاس إذ لم يتمكن من السجود عليه لحرّ أو بردٍ أوتقية أو غيرها، سجد على ثوبه القطن أو الكتان، وإن لم يكن سجد على المعادن أو ظهر كفه، الأحوط تقديم الأول.

تفصيل ذلك يأتينا إن شاء الله تعالى.