يقع الكلام في جهة من جهات البحث في الاستصحاب في كيفيّة الدليلية فيه، فهل هو دليل مباشر على الحكم الشرعي أو أنه دليل الدليل.

بيان ذلك: أنّ الدليل على الحكمالشرعي ما يثبته مباشرة وبلا واسطة، كقوله الخمر حرام، ولكن ربما يكون الدليل دليل على اعتبار الدليل المباشر فيكون من دليل الدليل على الحكم، كآية النبأ، فإنّها ليست دليلاً على شرب الخمر، بل دليل على تصديق قول العادل الدالة على الحكم الشرعي بحرمة شرب الخمر.

فكذلك الأمر بالنسبة إلى الإستصحاب، فإنّه لو كان دليله الأخبار الواردة في المقام كصحاح زرارة وأنه لا تنقض اليقين بالشك، فإنّها لا تدل مثلاً على وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة بنحو مباشر، بل لو ثبت كونه دليلاً سواءاً كان من الأمارة أو من الأصول فإنّه دليل الدليل على وجوب صلاة الجمعة، وإذا قيل بوجوبها للأصل، فإنّه من باب التسامح والتّجوز.

فالأخبار الدالة على الاستصحاب دليل على أصل الاستصحاب، فإنّها من دليل الدليل، وحينئذٍ في المقام مطلبان:

الأول: هل الاستصحاب يعدّ دليلاً على الحكم، كما الكتاب والسنة أو الإجماع والعقل، فإنّها الأدلة الدالة على الحكم الشرعي بنحو مباشر والمسماة بالأدلة الأربعة.

أمّا الكتاب والسّنة فليس منهما، وإنّما أخبار لا تنقض تصنع لنا دليلاً على دليل الحكم، فلا تدل على الحكم الشرعي مباشرة، وإنّما تدل بالواسطة من باب دليل الدليل، وإذا سمّي بالدليل فهو من باب المسامحة، كما يقال دليل حرمة شرب الخمر صدق العادل، والحال دليل ما ورد عن زرارة مثلاً، وصدق العادل إنما هو بتوثيق زرارة في حديثه، وليس دليلاً على الحكم الشرعي.

فما وأخبار الإستصحاب ولا تنقض إنّما هو جعل الدليل على الدليل، فلم يكن دليله الأصحاب من الكتاب والسّنة أو كالكتاب والسّنة بالنسبة إلى الحكم الشرعي، فلا ندري مايثبت بالاستصحاب عن الأحكام الشرعية، فلم يكن الاستصحاب من الكتاب ولا السّنة.

وأمّا العقل، فكذلك لم يكن منه لأنّ المراد من دليلة العقل على الحكم الشرعي مباشرةً هو فيما إذا كان من المستقلات العقلية، ما ذكر في الاستصحاب ـ كما مرّ ـ على أنه يحتمل أن يكون عقلياً، فإنّه إنّما كان بناء على أنّه من غير المستقلات العقلية.

فالعقل الذي هو من الأدلة الأربعة فيما كان من المستقلات، والاستصحاب ليس منه.

وكذلك لا إجماع على الاستصحاب لإختلاف الأعلام في حجيته بين حجيته مطلقاً وعدمه مطلقاً والقول بالتفاصيل كما مرّ.

فليست الاستصحاب من الأدلة الأربعة حينئذٍ.

الثاني: ذهب السيد بحر العلوم في كتابه الفوائد إلى ما ذكر أوقريباً منه بأنّ نسبة دليلة الاستصحاب للحكم الشرعي كنسبة آية النبأ، فإنّه من دليل الدليل، فأخبار لا تنقض بالنسبة إلى الحكم الشرعي لم يكن بنحو مباشر كالخبر الثقة الدال عليه، بل هو دليل على أصل الاستصحاب وحجيّته.

وقد أشكل عليه شيخنا الأعظم في هذا المورد وجعل الاستصحاب من الدليل الخبري، ومثل لذلك بأنه لو كان الثوب نجساً بيقين، وشك في زمن لاحق في بقاء نجاسته، فإنّه يستصحب النجاسة، ومعنى ذلك أن الثوب نجس في الحال وهذا من الحكم الشرعي الذي يثبت بالاستصحاب، فكيف يقال أنه من الدليل على الدليل.

والظاهر عدم تمامية ما يقوله الشيخ قدس سره، فإنّ أخبار لا تنقض اليقين بالشك لا تقول إنّ هذا الثوب نجس، بل تقول من الدلائل التي قرّرها الشارع المقدس تأسيساً أو إمضاءً هو عدم نقض اليقين بالشك، ثم بهذا الأصل يقال بثوب حكم شرعي كنجاسة اثوب، فما قاله السيد بحر العلوم قدس سره أقرب إلى الصواب.