مسألة 16: لا يجوز على النبات الذي ينبت علىوجه الماء.

أقول: لقد عرفنا أنّ الذي يصح ويجوز السجود عليه هو الأرض وما أنبتت، وهنا يطرح السؤال الثاني: أنّه لو كان النبات على الماء بحسب الصدق العرفي كما في الأهوار فهل يجوز السجود عليه؟

ذهب المشهور ومنهم المصنف كما هو المختار إلى عدم الجواز، فلا يصّح السجود على النبات النابت على وجه الماء ويدل على ذلك.

أولاً: أنّ ظاهر عنوان نبات الأرض فيصرف إلى ما كان على الأرض، فيخرج ما كان على الماء تخصصاً كخروج الجاهل من أكرم العلماء.

وثانياً: ظاهر النصوص المتقدمة اعتباران يكون السجود على الأرض أو نباتها.

ولكن ربما يقال أنّ مقتضى اطلاق بعض النصوص أنّه يجوز السجود على مطلق النباتات من غير تقييدها بالأرض، كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: قال: لا بأس بالصلاة على اليوريا والخصفة وكل نبات إلّا الثمرة، كما في الفقيه (1:169)، أو الثّمرة كما في التهذيب (2: 311).

وكذلك ما ورد في خبر الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر أنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه السلام وسأله عن السجود على اليوريا والخصفة والنبات، قال: نعم ^([1]).

وجه الإستدلال: أنّ إطلاقهما يعّم النبات على الأرض وعلى الماء، ولكن الأخبار الأخرى الكثيرة دلّت على صحة السجود على الأرض وما أنبتت الأرض.

فأجيب عنه: أولاً: إنّ الطائفة الثانية تقيد الطائفة الأولى فيكون بعد التعارض الابتدائي أن يجمع بينهما بالجمع العرفي بحمل الخاص على العام أو المقيد على المطلق، وكما قيل (ما من عام إلّا وقد خُصّ).

وثانياً: أنّ الغالب في السؤال على ما يصّح السجود بالنسبة إلى النباتات إنّما هو بإعتبار ما ينبت على الأر ض وليس على الماء.

ولكن ربما يقال بالتعارض بين الطائفتين من الأخبار، فإنّ الأول تقول بصحة السجود إلّا على النبات مطلقاً، الثانية تقول على نبات الأرض فيدور الأمر بين رفع اليد عن الإطلاق في الطائفة الاولى وتقيد بالطائفة الثانية، وبين حمل القيد في الطائفة الثانية على ما هو الغالب من النبات بأنه ينبت على الأرض، فالمراد وهو مطلق النبات وإن نبت على وجه الماء، وهنا تقع المعارضة بين أصالة الإطلاق، وبين اصالة الظهور أي ظهور القيد في القيديّة، ولمّا لم يكن الترجيح بينهما فيلزمها سقوطهما من باب (تعارض تساقطا).

أو بعبارة أخرى: أنّ النسبة بين الطائفتين من الأخبار نسبة العموم من وجه، لأنّ الأولى دلّت على جواز السجود على  مطلق النبات والثانية دلّت على عدم الجواز في غير الأرض ونباتها وإن نبتت على وجه الماء، فيتعارضان في مادة الإجتماع، وهي النبات علىوجه الماء، فإنّه يجوز السجود عليه بمقتضى الطائفة الأولى الدالة على إطلاق النبات، ولا يجوز بمقتضى الثانية الدالة على صحة السجود على الأرض وما أنبتت الأرض بالخصوص، وبما أنه لا ترجيح لأحد الأصلين اللفظيين المذكورين على الآخر، فإنّه يلزمهما السقوط عن الإحتجاج بهما، وحينئذٍ يرجع إلى العموم الفوقاني إن كان وإلّا فالأصل العملي ولما كان الشك في التكليف في المقام فمجراه أصالة البراءة عن تقييد المسجد بعدم كونه من نبات الأرض.

وباعتبار هذه القاعدة في الإطلاقين أو الإطلاق والظهور من نسبة العموم من وجه، يستلزمها القول بالجواز أي جواز السجود على ما ينبت على وجه الماء خلافاً  للمشهور وما هو المختار.

ولكن الذي يهوَن الخطب كما ذهب إليه بعض الأعلام المعاصرين أنّ الأمر لا يصل إلى المعارضة بين الطائفتين حتى تكون النتيجة القول بالجواز بل إطلاق النبات لغة وعرفاً إنّما يقصد منه ما نبت على الأرض بالخصوص، فلا إطلاق في مفهومه حتى يشمل النبات على وجه الماء أيضاً، وإذا أطلق عليه فهو من باب المجاز والتسامح لعلاقة المشاكلة والمشابهة، وإلّا بحسب الإستعمال الحقيقي فلا يطلق النبات على غير ما نبت على الأرض، فلا تعارض بين الأخبار، فالأقوى عدم جواز السجود عليه، فتأمل، فما نذهب إليه عدم صحة السجود فتوى والله العالم.

فما ذًُكر من ملاحظة كلمات اللَغويين وأنه يساعده الإستعمال العرفي، أو يُدّعي إنصرافه إلى خصوص نبات الأرض ففيه ما لا يخفى من الإشكال، فإنّه يلاحظ أنّ بعض الحبوب تزرع في الإناء مثلاً ويصب عليها الماء وبعد برهة يخرج منها الزرع ويصدق عليه النبات مع أنه لم يكن على الأرض، ولا فرق بين النابت على وجه الماء أو النابت في الإناء.

نعم ربما يقال في مقام الدعوى أنّ كثير من الروايات دلّت على خصوصية نبات الأرض، ولكن يرد عليه أنّ الوارد في صحيحة هشام بن الحكم: (السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو أي ما أنبتت الأرض إلّا ما أُكل، فما (أنبتت الأرض معطوف على الأرض بـ (أو) العاطفة وكذلك الوارد في صحيحة حماد بن عثمان (السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل ولبس) فيكون مدلول المعطوف في الأولى أنه لا يجوز السجود إلّا على ما أنبتت الأرض إلّا ما أُكل ولبس ومدلول الثانية يعيّن السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس، وحينئذٍ تكون المعارضة بينهما وبين ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم الدالة على تعين السجود على النبات مطلقاً سواء النابت على الأرض والماء ما لم يؤكل ويلبس، والنسبة بينهما حينئذٍ العموم المطلق وليس من الوجه حتى يقع التعارض في مادة الإجتماع والرجوع إلى أصل البراءة، فإنّ طرف النسبة في الصحيحة الأولى هو المستثنى أيضاً أي يجوز السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل ولُبس، فلابدّ هنا منرعاية الخاص وتقييد الإطلاق في صحيحة محمد بن مسلم بأنّ المراد من النبات هو خصوص ما نبت على الأرض دون الماء فتأمل.

مسألة 17: يجوز السجود على القبقاتب والنَعل المتخذ من الخشب ممّا لبس من الملابس المتعارضة وإن كان لا يخلو من اشكال، وكذا الثوب المتخذ من الخوص.

وهذا ما يأتينا تفصيله إن شاء الله تعالى.