مسائل

مسألة 1: لا يجوز السجود في حال الاختيار على الخزف والآجر والنورة والجص المطبوخين.

وقبل الطبخ لا بأس به.

أقول: بعدما علم أنّ الملاك في صحة السجود من جهة ما يسجد عليه أن يكون من الأرض وما أنبتت، فحينئذٍ يقع الكلام في المصاديق أو بالأحرى في الصغريات، فمنها الخزف والآجر والنورة والجُص فهل يجوز السجود عليها؟

إختلف الأعلام في ذلك:

أما الخزف فذهب المشهور ومنهم المصنف إلى عدم صحة السجود عليه في حال الإخيار، ويُفهم منه أنّه حال الإضطرار لا بأس به.

ولكن في المدارك نسب الجواز إلى قطع الأصحاب، وفي الروض قال: (لا نعلم في ذلك مخالفاً من الأصحاب، ويظهر من محكي المعتبر والتذكرة المفروغية عنه.

وأمّا المنع فالوجه فيهك أنه قد خرج عن إسم الأرض بالطبخ، فلا يصح السجود عليه.

وأمّا الجواز: أنه بعد الطبخ لا يزال يصدق عليه إسم الأرض عرفاً، لأنّ الأجزاء الأرضية الأصيلة والذات التي كانت الموضوع لصّحة السجود عليها لا زالت موجودة فلم تتغير ولم تتحول، نعم إنّما تغير بعض الصفات والأوصاف، كأن لم يكن من قبل متماسكاً فصار بالطبخ متماسكاً، فالإختلاف يكون في الوصف وفي الشدة والضعف، وهذا لا يوجب إختلافاً في موضوع الأرض، ويشهد على ذلك أنه يطلق وينطبق على التراب والصخر على حدّ سواء.

ولا يخفى أنه لا فرق في التماسك بأن يكون بعمل الله سبحانه أو بعمل العبد، فلا أثر لهذا الفرق في أصل الحكم وهو صحة السجود على الخزف، فيتمسك بإطلاق الأدلة وصدق عنوان الأرض على الخزف كما يصدق على التراب وإذا شككنا في صحة السجود عليه لشكّنا في موضوعيته، فيقال بالجواز تمسكاً بالاستصحاب.

وأمّا الآجر:فقال المصنف بالمنع إلّا أنه حكى في مفتاح الكرامة عن صريح النهاية والمبسوط وظاهر الأكثر جواز السجود عليه، ومال إليه في التنقيح، وعن العلامة المجلسي في بحار أنواره: أنهم لم ينقلوا فيه خلافاً.

والكلام فيه كما في الخزف، فمن قال بالمنع لخروجه عن إسم الأرض بالطبخ، ومن قال بالجواز لكونه يصدق عليه إسم الأرض عرفاً وإن كان الإختلاف في الأوصاف كالتماسك وعدمه.

وأمّا النورة والجص، فإنّ المشهور كما عند المصنف قال بالتفصيل بأنه يجوز السجود عليهما قبل الطّبخ أما بعده فلايصح، والوجه فيه كما في الخزف والآجر.

ولكن قبل الطبخ إنّما يصّح السجود عليهما فهو لصدق الأرض عليهما، فإنّ أرض الجُص وحجر النورة قسم من أقسام الأراضي والأحجار فهذا لا غبار عليه.

وأمّا المطبوخ منهما فالمحكي عن الشيخ في النهاية والمبسوط التصريح بجواز السجود على الجص وإن كان مطبوخاً، وعن جماعة من متأخري المتأخرين الميل إليه، كما ذهب إليه بعض من المعاصرين، كما هو الظاهر.

أولاً: بعدم خروجهما عن إسم الأرض بالطبخ، فهو نظير اللحم المطبوخ، فإنّه بالطبخ لا يخرج عن كونه لحماً، فكذلك في الجص والنورة، بل في الخزف والآجر.

وثانياً: بما ورد في صحيحة الحسن بن محبوب.

سال أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكيف إليه بخطه: إنّ الماء والنّار قد طهراه ^([1]).

وجه الإستدلال: إنّما كان السؤال عن نجاسة الجص بالنورة وعظام الموتى، وهذا يدلّ على أن جواز السجود عليه ممّا هو مفروغ عنه عند السائل، وإنّما الإشكال من جهة شبهة النجاسة.

فالرواية بظاهر تدل على تقرير السائل على اعتقاده من جواز السجود عليه في نفسه، وإنّما الاشكال في النجاسة، فقال عليه السلام أنه طاهر لكون الماء والنار من المطهرات.

وكذلك الكلام في النورة، إلّا أنه ورد في خبر محمد بن عمرو بن سعيد كما مر، النهي عن السجود على الصاروج، وقيل أنه النورة بأخلاطها.

وذهب الشهيد في الذكرى غلى المنع من النورة بطريق أولى، فإنّه إذا كان الصاروج من النورة مع الأخلاط، فإنّه بطريق ما كان النورة خالصاً، فلا يصّح السجود عليه.

ولكن هذا إنّما يثبت لو كان المراد من الاخلاط هي الأجزاء الأرضية، إلّا أنه هذا المعنى غير ثابت، بل الظاهر من أجزاء الصاروج الرماد، فتأمل.

والمختار في المصاديق الأربعة (الخزف والآجر والنورة والجص قبل الطبخ وبعده) جواز السجود عليها، لصدق إسم الأرض عليها عرفاً، وغن كان الأحوط استحباباً الاجتناب عنها حذراً من مخالفة المشهور.

مسألة: 2: لا يجوز السجود على البلور والزجاجة.

أقول: ذهب المشهور ومنه المصنف إلى عدم صحة السجود على البلور والزجاجة، وهو المختار لخروجهما عن مفهوم الأرض عرفاً، فليس البلور والزجاجة من الأرض ولا من نباتها حتى يصّح السجود عليهما، حتى لو كانت مادتهما أخذت من الأرض كالرّمل ونحوه، وإنّما لا يجوز لاستحالتهما وتبدّل صورتهما النوعية، فتباين الأرض فعلاً ويخرجان عن مفهومها.