الثاني: إذا كان الترتب بين الطرفين بإثبات أحدهما ونفي الآخر أو بالعكس ترتباً عقلياً، كترتب وجوب المهم على عدم وجوب الأهم، بناء على القول باستحالة الترتب.

فمع الأهم يرفع اليد عن اطلاق دليل وجوب المهم  فيكون مقيداً حينئذٍ والموجب رفع اليد إنّما هو من جهة فعليّة التكليف بالأهم وتنجّزه الفعلي في حق المكلف بنحو يوجب العجز عن الإتيان بالواجب المهم.

ولو فرض ترخيص الشارع بترك الأهم ولو في الظاهر فهل يجب المهم مرّة أخرى بمعنى أنه يحيى مرة ثانية من دون أمر شرعي آخر يدل عليه بل إطلاق الأمر الأول يشمله أو يكفي التمسك بإطلاق الأمر بالمهم.

فقيل: لو رخّص الشارع بترك الأهم ولو في الظاهر فإنّ المهم يكون واجباً فوجوب المهم مترتب عقلاً على إباحة ضده الأهم، وفي هذا القسم يحكم بوجوب المهم عند الشك في تعلّق التكليف بالأهم لإطلاق دليل وجوب المهم فهذا ما يثبت لنا حقيقة وجوب المهم وليس البراءة، نعم إن البراءة ترفع المانع عن المهم وهو عجز المكلف فمع وجود المقتضي وهو اطلاق أمر المهم وعدم المانع وهو عدم العجز عنه فإنه يقال بوجوب المهم لا من جهة البراءة عن الأهم، فلا معنى لاشتراط جريان البراءة بعدم إتيانه للحكم الإلزامي، حيث كان المثبت للوجوب هو إطلاق الدليل وليست البراءة، فتأمل.

القسم الثالث يأتينا إن شاء الله تعالى.

الثالث: فيما إذا كان الترتب بين الطرفين شرعياً وبنحو يكون جواز شيء بالبراءة مأخوذاً في موضوع وجوب كشيء آخرفي لسان الدليل الشرعي.

وهذا يكون على ثلاثة أقسام أيضاً:

الأول: أن يكون الحكم الإلزامي المترتب على جواز الآخر للبراءة حكماً واقعياً مترتباً على الإباحة الواقعية.

الثاني: أن يكون الالزام حكماً واقعياً مترتباً على الإباحة وهو الجامع بين الإباحة الواقعية أي مباع في نفس الأمر والواقع والإباحة الظاهرية.

الثالث: بعكس الثاني في الجملة بأن يكون الالزام هو الأعم والجامع بين الإلزام الواقعي والالزام الظاهري إلّا أنه مترتب على مطلق الإباحة الأعم من الواقعية والظاهرية، بالتفصيل الآتي وهو أن يكون الالزام الواقعي مترتب على الإباحة الواقعية، والالزام الظاهري مترتب على الإباحة الظاهرية.

أمّا القسم الأوّل: فلا يكفي جريان البراءة فيه في فعليه الالزام، لأن اصالة البراءة لا تنظر إلى الواقع، فلا تثبت بها الإباحة الواقعية.

وإمّا القسم الثاني: فيترتب على الأصل الجاري فيه الالزام، لتحقق موضوعه على كل تقدير.

وأمّا القسم الثالث: فإنه يكفي في فعلية الالزام فيه ثبوت الإباحة الظاهرية إلّا أن الالزام حينئذٍ يكون ظاهرياً، فإذا انكشف الخلاف، فإنّه يحكم بعد ثبوت الإلزام من أول الأمر. وهذا بخلاف القسم الثاني، فإنّ كشف الخلاف فيه يستلزم ارتفاع الالزام من حين الانكشاف لا من أول الأمر.

ثم يضرب هذا العَلَم العَيلم مثاليين للتوضيح والفرق بين القسم الثالث والثاني.

فقال قدس سره: مثال القسم الثالث فهو وجوب حجة الإسلام لمن كان مستطيعاً،وإباحة المال الذي به صار المكلف مستطيعاً فلو حكمنا بإباحة المال بالأصل كما لو شككنا فيه فاجرينا أصالة الإباحة، فإنّه يترتب عليه وجوب ظاهراً، فلو إنكشف الخلاف وتبين عدم إباحة المال بأن كان غصباً، فإنّه ينكشف له أنه غير مستطيع وعدم وجوب حجة الإسلام عليه من أوّل الأمر.

وأمّا مثال القسم الثاني: فهو الماء المشكوك في إباحته، فإنّ وجوب التوضي به رافعاً مترتب على إباحته ظاهراً,. فلو أحرز إباحته ولو باصالة الطهارة أو البراءة مثلاً، فإنّه يترتب عليه وجوب التّوضي به واقفاً، وبعد إنكشاف الخلاف فإنه يرتفع الوجوب وجوب الترضي به من حين الانكشاف دون ما كان قبله.

وبما ذكر من التفصيل في المقام تبين أن أصالة البراءة في مورد جريانها يترتب عليه آثارها، بلا فرق بين كونها الزامية أو هذه الآثار غير إلزامية.

فلا وجه لما ذكره الفاضل التوني من اشتراط عدم ترتب حكم الزامي على جريان البراءة.