عطفاً على ما سبق في مسألة تقدم المرأة على الرّجل أو مساواته في صلاتهما، فمن الاعلام من قال بالمنع كما عند جمع من المتقدمين ومنهم من قال بالجواز كما عند جمع من المتأخرين، والمختار القول بالجواز على كراهة إلّا أن الأحوط إستحباباً الإجتناب لنخرج بذلك عن مخالفة من قال بعدم الجواز وعدم صحة الصلاة. بل الأحوط وجوباً عدم تقدم المرأة على الرجل دون الشّبر تمسكاً بروايات المنع، وعدم ورود رواية معتبرة تدل على عدم اعتبار أقل من الشبر أيضاً حتى يجوز وإن كان أقل من شبر .

ثم من الروايات ما دلّ على أعتبار الفصل تقدماً أو محاذاةً بين المرأة والرّجل وإختلفت الروايات في حدّ الفاصل فأقله شبراً وأكثر عشرة أذرع كما في موثقة عمار وبينما الذراع وموضع الرَّجلب، فمن قال بالكراهة حملها على إختلاف مراتبها من حيث الشدة والضعف، وربما يحمل إختلاف الروايات في اعتبار الفصل بما ذُكر قرينة على عدم اعتبار الفصل عزيمةً، وأنه يعتبر الفصل لوروده في الأخبار فيكون قرينة على الكراهة وإختلاف مراتبها.

وأياً كان فإنه يرتفع المنع أو الكراهة بأحد أمرين: أما وجود الفاصل بعشرة أذرع بذراع اليد، أو بوجود حائل وحاجز بينهما في صلاتهما، كما يدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة تصلي عند الرّجل، قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس^([1])، وغيرها نحوها كخبر محمد الحلبي وخبر إبن جعفر، وصحيحة ابن جعفر عن أخيه عليه السلام.

وقال في محكي المعتبر: (ولو كان بينها حائل سقط المنع إجماعاً منّا).

وأمّا الفصل بعشرة أذ رع، فيزول المنع معه إجماعاً كما عن المعتبر والمنتهى، كما تزول الكراهة على القول بها إجماعاً، كما عن جامع المقاصد وإرشاد الجعفرية، كما يشهد له موثقة عمار الساباطي كما تقدمت.

تنبيهات:

الأول: قال المصنف قدس سره (والمدار على الصلاة الصحيحة لولا المحاذاة أو التقدم، دون الفاسدة لفقد شرط، ووجود مانع).

أقول: يا تَرى هل عدم تقدم المرأة على الرجل إذ من ذاتها للرجل في صلاتهما في مكان واحد يعدّ ذلك شرطاً في صحة صلاتهما أو منزل عدم التقدم أو عدم المحاذاة منزلة عدم المانع؟

وبعبارة أُخرى إنّ المحاذاةت أو التقدم الموجب لبطلان الصلاة أو الكراهة هل باعتبار صحة صلاة المرأة من كل الجهات إلّأ من جهة التقدم والمحاذاة أو أنها تعمّ ولو كانت باطلة من سائر الجهات كفقد شرط أو جزء موجب للبلطان أو الكراهة؟

ربما يقال ظاهر الخطابات في المقام كون صلاتها صحيحة من جميع الجهات إلّأ من جهة التقدم أو المحاذاة، إلّا أن الاعلام إختلفوا في وجه ذلك.

فقيل: من جهة أن الفاظ العبادات وضعت للصحيح منها وهو قول الأصّحى كما في أصول الفقه ولكن لمّا لا يمكن حمل الصحيح في المقام على الصحيح التام بناء على أنّ التقدم أو المحاذاة موجبة للبطلان، فلابدّ أن يكون المقصود من الصحيحة تلك التي تكون من دون المحاذاة والتقدم فتكون موضوعة حينئذٍ للجامع بين الصحيح التام والصحيح الناقص أي الفاسد وهو قول الأعمي.

وقيل: إن المراد من الصلاة هي الصحيحة للإنصراف إليها عند الإطلاق والموجب للإنصراف غلبة الاستعمال في الصحيحة، وذلك من جهة أحسن الذهن بذلك، واستعمال الصلاة في الناقص وإن كان كثيراً إلّا أنه لا يوجب الإنصراف إليها.

وقيل: لم يكن الوجه الأول ولا الثاني بل باعتبار ما جاء في الروايات بأن يصلي الرجل والمرأة بالصلاة المأمور بها، فلا تعمّ ما إذا لم تكن صلاتها محكومة بالفساد من غير جهة المحاذاة أو التقدم.

وبعبارة صحيحة وواجدة لتمام ما يعتبر فيها من الشرائط والأجزاء إلّا وجود عدم هذا المانع وهو عدم التقدم والمحاذاة.

فالمدار في صلاة المرأة على الصلاة الصحيحة لولا المحاذاة أو التقدم، كما صرّح بذلك جماعة، بل نسب إلى الأكثر وإلى المشهور كما عند المصنف وهو المختار.

وعن الإيضاح وجامع المقاصد والروض: إلى أنه يحتمل أن يكون المدار على الأعم من الصلاة الصحيحة أو الفاسدة، لصدق الصلاة على الفاسدة أيضاً، كما عند الأعمي، ولكن بعض الأعلام المعاصرين أنكروا ذلك بأنه لو سلّم فإنه يدفعه انصراف الصلاة إلى الصحيحة ممّا يوجب الاختصاص بها، فتأمل.

وفي المقام نزاع بين العلمين المعاصرين لسيدنا الحكيم سيدنا الخوئي قدس سرهما وهذا ما يأتينا إن شاء الله تعالى.