قد ثبت فيمامرّ أنّ الرجوع إلى الأصول العملية إنما مشروط بالفحص والتعلم والسؤال، ولكن المتفق عليه أن ذلك في الشبهات الحكمية، لأنّ دليل وجوب الفحص كان مختصاً بالشبهات الحكمية دون الموضوعيّة، فإنّه لا يكون الرجوع إلى الأصول فيها مشروط بالفحص أيضاً، بل يجوز الرجوع إلى الأصول العملية في الشبهات الموضوعية ولو قبل الفحص.

والسبب في ذلك: اطلاق أدلة الشبهات الموضوعية فإنه نجري فيها الأصل مطلقاً سواء قبل الفحص أو بعده، وما ذُكر من الوجوه الدّالة على وجوب الفحص والتّعلم لا تجري في الشبهات الحكميّة. كما دلت بعض الروايات الدالة على عدم الفحص في الشبهات الموضوعية إلّا أنها وردت في موارد خاصة كصحيحة زرارة في الاستصحاب (الوسائل: باب 37 من أبواب النجاسات الحديث الأول).

فلا خلاف ولا اشكال في عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة.

ولكن ذكر جماعة من وجوب الفحص في بعض موارد الشبهات الموضوعيّة فيما إذا كان العلم بالحكم فيه يتوقف على الفحص عادةً.

فمن الموارد المستثناة والتي خرجت بالدليل: لو شك في المسافة الشرعية في السّفر، فقالوا: يجب عليه الفحص والسؤال من أهل الخبرة، والحال يمكنه أن يجري استصحاب عدم تحقق المسافة.

ومنها: إذا شك في تحقق الاستطاعة إلى الحج من جهة المال أو من جهات أخرى، فإنّه يجب عليه الفحص أيضاً مع أنها من الشبهات الموضوعية التي يمكن أن يجري في ا الاستصحاب أو البراءة.

ومنها: إذا شك في زيادة الرّيح عن موؤنة السّنة.

والوجه في وجوب الفحص في هذه الموارد من الشبهات الموضوعيّة هو أن جعل الحكم في مورد يتوقف العلم بالمورد على الفحص، فإنّه يدل بالملازمة العرفية على وجوب الفحص حينئذٍ، وإلّا لزم لغوية الحكم في تشريعه، بأن يشرع حكم لم يعلم موضوعه، فهذا من اللغو الذي يتنافى مع حكمة الشارع المقدس، فوجب الفحص حينئذٍ.

وأجيب عنه: بتسليم الكبرى المذكورة، من أنه إذا كان الحكم متوقف على معرفة موضوعة ومعلوميته، فيجب الفحص عنه حتى لا يلزم اللغوية في الشريعة المقدسة، ولكن الكلام في التطبيق على الصغريات المذكورة، فليس الأمر فيها كما ذكر، فإنّ العلم بتحقق المسافة الشرعية في السّفر، أو بلوغ المال حدّ النّصاب، أو كفايته للحج، أو زيادته عن مؤونة السّنة كما في الخمس ليس من الضروري أن يحصل ذلك بالعلم به وبالفحص خاصة بل قد يحصل بلا حاجة إلى الفحص، أو يحصل العلم بعدمه، أو يكون مشكوكاً فيه كبقية الموضوعات الخارجية، نعم ربما في بعض الموارد يتوقف العلم على الفحص، ولكن هذا مجرد اتفاق، ولا يدل على وجوب الفحص مطلقاً، وإلّا وجب الفحص عن كثير من الموضوعات.

تنبيه:

لقد إختلف الأعلام في تعلق الخمس ووجوبه فهل يتعلق بالربح حين حصوله إلّا أنّه يؤخر إلى آخر السنة فيما عنده سنة خمسية ورأى السّنة وإنّما يؤخر من باب الارفاق كما ذهب إليه المشهور أو أنه أو أنه يتعلق الخمس بالربح بعد مضي السنة كما عند ابن إدريس الحلي قدس سره (السرائر: 1: 89).

فإن كان الأوّل، فإنه عند الشك في الزيادة على المؤونة يجب عليه الفحص، لأنّ الوجوب عندئذٍ متيقن وإنّما الشك في سقوطه من جهة كونه زائداً على المؤونة، فهنا يجب الفحص لاحراز السقوط بعد العلم بالوجوب وعلى الثاني: لا وجه لوجوب الفحص كما ذكره، فتأمل.