عطفاً على ما سبق في رفع التهافت فيما قاله الأصحاب أنه تصحّ الصلاة جهراً في موضع الإخفات، وبالعكس لمن كان ناسياً وجاهلاً ومطلقاً قاصراً أو مقصّراً، لأنّ اشتراط الإخفات في الصلاة الإخفاتية والجهر في الجهرية إنّما هو من الشرط الذُّكري العلمي، أي لو كنت متذكراً غير ناسي وعالماً غير جاهل وجب عليك ذلك.

وكذا الكلام في صحة الاتمام في موضع القصر، وصحة الصوم في السّفر.

ولكن قالوا بالصحة مع استحقاق العقاب على ترك الواقع الذي نشأ عن ترك الفحص والتعلّم والسؤال.

ولا خلاف نصاً وفتوى في صحة الحكم بالصحة عند المخالفة، ولكن الاشكال في الجمع بين صحة العمل واستحقاق العقاب لمخالفة الواقع الناشئ من ترك التعلّم والسؤال فكيف يعقل ذلك؟

اُجيب في رفع التهافت وصحة القولين لوجهين:

الوجه الأول: ما ذهب إليه المحقق الآخوند الخراساني قدس سره في كفائية (كفاية الأصول: 378) بأنه يمكن أن يكون العمل المأتي به كالجهر في موضع الإخفات مشتملاً على مصلحة تامة تصحح لنا صحة العمل، وأن يكون الواجب الواقعي أي نفس العمل في الواقع أي الاخفات في موضع الاخفات مشتملاً على تلك المصلحة الأولى وزيادة، ولا يمكن أن يستوفي في هذه الزيادة عند إتيان العمل به جهلاً، لتضّاد المصلحتين ولا يمكن الجمع بين المتضادين، فالحكم بالصحة إنّما هو لإشتمال المأتي له على المصلحة الملزمة، واستحقاق العقاب من جهة عدم استيفاء الزيادة، فتفوت المصلحة الزائدة بسبب تقصيره وترك التعلّم فيعاقب عليه، ولا منافاة بين الأمرين والمصلحتين أن يكون أحداهما محكوماً بالصحة للنّص والفتوى، والأخرى بالعقاب لمخالفة الواقع الناشئ من ترك التعلّم تقصيراً.

وأورد عليه:

أوّلاً: تحقق التضاد المانع من الجمع هو ما كان بين الأفعال الصادرة دون التضاد بين الملاكات، وأمّا التضاد بين الملاكات مع إمكان الجمع بين الأفعال من الأمر الموهوم الذي يكاد أن يلحق بأنياب الغول كما في قصص الأطفال....

وثانياً: وجود المصلحتين في المقام أن كانتا من الارتباطيتين، فلا دليل للحكم بصحة المأتي به مع فرض عدم حصول المصلحة الأُخرى، وإن كانتا من المستقلتين، فإنّه يلزمه تعدّد الواجب حينئذٍ وتعدد العقاب عند ترك الصلاة رأساً لتركه لمصلحتين مستقلتين، وهذا خلاف الضرورة والبداهة الشرعيّة، فإنّ تارك الصلاة يستحق عقاباً واحداً، فتأمل.

الوجه الثاني: ما ذهب إليه الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس سره: من القول بالترتب في المقام.

بيان ذلك: أنّ الواجب على المكلف ابتداءً هو صلاة القصر فيما لو كان مسافراً، فإن ترك القصر جهلاً واستحق العقاب على تركه لترك التعلّم (هلّا تعلمت) فالواجب حينئذٍ هو التمام، فلا منافاة بين الحكم بصحة المأتي به وبين استحقاق العقاب على ترك الواجب الأول.

واشكل عليه المحقق النائيني قدس سره بوجوده:

الأول: أن الخطاب المترتب إنّما يجري في الأهم والمهم عند التزاحم إنّما يكون موضوعه عصيان الخطاب المترتب عليه، كما في مسألة الصلاة في المسجد وإزالة النجاسة، فإنه لو عصى ولم يأتيا الصلاة عند ذلك يجب عليه الإزالة ترتباً.

والحال لا يمكن أن يتصور ذلك في المقام كما هو الظاهر، لأنّ المكلف لا يخلو حاله أما أن يلتفت إلى كونه عاصياً للتكليف بالقصر، فإنّه ينقلب حاله من الجاهل بوجوب القصر إلى العالم به، فيخرج حينئذٍ عن كونه جاهلاً بالحكم، فلا يحكم بصحة ما أتى به، وإن لم يلتفت إلى ذلك فلا يُعقل أن يكون الحكم المجعول بهذا العنوان محرّ:اً وباعثاً له في مقام العمل.

الثاني: أن وجوب الصلاة وجوباً موسعاً بين أول الوقت وآخره، والعصيان لا يتحقق إلّا بخروج الوقت، وحينئذٍ كيف يعقل تحقق العصيان في أثناء الوقت حيث فرض كونه موضوعاً للحكم الثاني، وهو الصلاة التام بدلاً عن القصر.

الثالث: لو سلّمنا المكان المترتب في المقام في عالم الثبوت إلّا أنه لا دليل لنا على وقوعه في عالم الإثبات، فالقول به قول بلا دليل، وعدم الدليل دليل العدم، وهذا بخلاف الترتب في باب التزاحم، وأنه كما هو ثابت في محلّه أن القول بالترتب فيه، ممّا يقضيه نفس إطلاق دليل الواجب بلا حاجة إلى الدليل الآخر.

وأورد على المحقق النائيني أنّ الانصاف في المقام يوجب عدم ورود شيء من الوجوه المذكورة.

بيان ذلك: أمّا الوجهان الأولان فما ذكر في محلّه، من أنّ التزام بالخطاب الترتبي لايتوقف على أن يكون موضوعه عصيان التكليف الآخر، بل يصح الترتب مع مطلق الترك، فيصح أن يقال في المقام:  إن القصر واجب مطلق، والتمام واجب مشروط بترك القصر جهلاً بوجوبه.

وأمّا الوجه الأخير فإنّ صحة العمل المأتي به مفروغ عنها في المقام، وقد دلّ الدليل عليها. إنّما الكلام في تصوير الصحة وإمكانها، فلو أمكن القول بالترتب لا يحتاج وقوعه إلى أقربهم من الأدلة الدالة علىصحة المأتي به جهلاً، كالنص والتفوى.