تتمة بيان الصّور الأربع في عمل الجاهل المقصّر بين الإنكشاف

عطفاً على ما سبق: يقع الكلام في الجاهل المقصّر أو عمل من دون الفحص والتعلم وإنكشف الأمر بعد العمل، فلا يخلو حالة من أربع حالات: إمّا أن يكون العمل مخالفاً لمن وجب عليه أن يقلّده حين العمل أو بالفعل، فعمله باطل لعدم مطابقته للواقع بحسب الحجة الشرعية الفعلية أو الحجة حين العمل، وأمّا أن يكون مطابقاً، فإنّه يحكم بالصحة حينئذٍ لكونه مطابقاً للواقع بحسب الحجة الشرعية.

والكلام في الصورة الثالثة فيما لو إنكشف أنّ العمل المأتي به كان مطابقاً لفتوى من كان يجب الرجوع إليه (كالأعلم) إلّا أنه مخالف لفتوى منيجب الرجوع إليه فعلاً، فإنّ ظاهره القول بالبطلان.

لأنّ ما يقتضيه الصحة لا يخلو أن يكون من جهتين:

الأوّل: مقتضى الصحة الأدلة الخاصة الدالة على عدم وجوب الإعادة كما في الصلاة كحديث (لا تعاد) بناء على أنه يعمّ الناسي والجاهل كما هو المشهور والمختار، إلّا أنّه يعم الجاهل القاصر، فإنّه بحكم الناسي دون الجاهل المقصّر كما في المقام، فإنّه بحكم المتعمد، فيلزمه الاخلال بالعمل مطلقاً مما يوجب بطلانه، فلا يشمله حديث لا تعاد وغيره.

الثاني: أن يكون مقتضى الصحة الأدلة العامة التي أقيمت على دلالة الأوامر الظاهرية للأجزاء عن الواقع بلا فرق بين الصلاة وغيرها، وعمدة هذه الأدلة العامة بكفاية الأمر الظاهري عن الواقعي هو الإجماع على عدم وجوب القضاء بعد إمتثال الأوامر الظاهريّة، كمن يتيمم لعذر وتبين الخلاف.

وما نحن فيه لا يدخل تحت عموم هذه الأدلة وفي معقد الإجماع: لأنّ الإجماع على الأجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء فيما كان العمد يستند في عمله إلى حكم وأمر ظاهري، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ الجاهل المقصّر في عمله لم يستند إلى حكم لا ظاهري ولا واقعي فلا إجماع على صحة عمله.

وأمّا الصورة الرابعة: فيما لو إنكشف الخلاف بأنّ عمله كان مطابقاً للواقع بحسب فقول المجتهد الفعلي ومخالفاً لفتوى المجتهد الأول وحين العمل، فالظاهر صحة عمله، لوجود الحجة الفعليّة، فإنّها قامت على صحة العمل وعدم وجوب الإعادة والقضاء، فيجوز الاستناد إلى هذه الحجة الفعليّة في ترك القضاء.

تنبيهن: الأول: لو كان العمل مخالفاً للواقع في نفس الأمر، وقد مضى وقته، فإنّه يصّح عقابه على مخالفة الواقع بالنسبة إلى ما مضى من الأعمال، لأنه المفروض أن العمل مخالف للواقع من دون الاستناد إلى الحجة فيه.

والوجه في ذلك أن ترك الواجب مطلقاً الأدائي أو القضاء من دون دليل عليه العقاب، ولكن بترك الواجب الواقعي في الوقت عقاب غير عقاب القضاء، فالاستناد إلى فتوى المجتهد الفعلي إنّما يوجب صحة العمل في رفع عقاب القضاء، فلا قضاء عليه للحجّة الفعلية، ولا يرتفع العقاب على ترك الأداء، فإنّه تركه كان بلاحجة.

فالجاهل المقصر لو صلّى بلا استناد إلى فتوى مجتهد ثم مضى وقتها، ثم انكشف أن عمله مطابق لفتوى المجتهد الفعلي ومخالف للمجتهد الأول، أي فقد من انفس بصحة الصلاة وعدم وجوب القضاء عليه ولكن كانت في الواقع فاسدة، فإنّه يصحّ عقابه على ترك الأداء لأنه لم يستند في ذلك على حجّة شرعية، فلا يكون معذوراً فيه.

الثاني: لو صلّى بلا تقليد مجتهد جامع الشرائط، ثم قلّد من يفتي بصحة صلاته، والوقت لا زال باقياً، وكانت صلاته فاسدة في نفس الأمر باعتبار المجتهد الأول، فإنّ المجتهد أن صاب منه لسنتان أو السنة، وإن أخطأ فله حسنة أو لا شيء عليه، ففي هذه الصورة لا يصحّ عقابه على ترك الأداء أيضاً لكونه معذوراً لاستناده في عدم الإعادة في الوقت إلى الحجة الفعليّة.

الثالث: مما ذكر في حكم المقلّد من الحالات الأربع يظهر كذلك حكم المجتهد التارك للفحص، فإنّه نسبة الدليل والإمارة إليه كنسبة فتوى المجتهد إلى المقلد، فتدبر.

الرابع: ممّا تسالم عليه الفقهاء صحة الصلاة جهراً في موضع الاخفات وبالعكس، وكذلك صحة الاتمام في موضع القصر، وصحة الصوم في السّفر فيما إذا كان ناسياً وكذلك فيما إذا كان جاهلاً قصوراً أو تقصيراً، لأنّ الجهر والإخفات من الشرط الذكرى العلمي، لو علم وكان متذكراً وجب عليه الإخفات في الصلاة الاخفاتئية أما لو جهل ولوتقصيراً أو نسى فلا شيء عليه.

ولكن مع ذلك قالوا باستحقاق العقاب على ترك الواقع الناشيء عن ترك التعلّم والفحص.

ولا يخفى أنّ أصل الحكم بالصحة في هذه الموارد الثلاثة مما لا اشكال فيه، ولا خلراف نصاً وفتوىً إنما الكلام والاشكال في كيفية الجمع بين الحكم بالصحة وبين استحقاق العقاب، فكيف يعقل ذلك بمعنى القول لصحة العمل مطلقاً فلا إعادة لا في الوقت وفي خارجه، وبين استحقاق العقاب. قد اُجيب عن ذلك بوجهين: الأول لصاحب الكفاية والثاني للشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس سرهما وهذا ما يأتينا إن شاء الله تعالى.