لقد مرّ أن المقصود من وجوب الفحص والتعلّم (في الشبهات الحكمية عند الشك وقبل إجراء الأصول العملية) هو أن لا يقع في المكلّف مخالفة الواقع للحكم الشرعي، وبعد الفحص أن وقع كان معذوراً في ذلك، لأنه لو كان غير معذور لدخل في دائرة قبح العقاب بلا بيان ممّأ يتنافى مع حكمة المولى وعدله.

وحينئذٍ لو كان شاكاً في التكليف أولاً، ثم ترك الفحص عن الدليل ثانياً، واقتحم الشبهة ثالثاً، فصادف ارتكاب الحرام في الواقع رابعاً، فهل يستحق العقاب على مخالفته للواقع؟ لأنه بعد القول بوجوب الفحص طريقياً، فإنّه يتنجز الواقع عليه.

والكلام تارة، فيما إذا كان الواقع بنحو لو تفحص المكلف عنه لظفر به، وأخرى فيما إذا كان الواقع بنحو لا يصل المكلّف إليه بعد الفحص وربّما يؤدي فحصه لو فحص إلى خلافه، فحينئذٍ هل يستحق العقاب على مخالفة الواقع أم لا يستحق. في المسألة وجهان بل قولان.

والكلام في استحقاق العقاب عند مخالفة الواقع بعد القول بوجوب الفحص وقد ترك ذلك واقتحم تجرّياً، فليس الكلام من جهة التجري وحرمته واستحقاق العقاب عليه أو العقاب على اختلاف الأقوال والمباني في بحث التجري، بل الكلام في الاستحقاق بعد المخالفة والإرتكاب ومخالفة الواقع.

فذهب المحقق النائيني قدس سره: إلى استحقاق العقاب بناءً على أنّ مخالفة الواقع يوجب استحقاق العقاب مطلقاً إلّا مع المؤمن الشرعي أو العقلي على جواز المخالفة كقبح العقاب بلا بيان.

وفي المقام بعد عدم التأمين الشرعي أو العقلي على جواز المخالفة، فإنّه يوجب استحقاق العقاب عند المخالفة، وإنّما لم يكن المؤمن لأن المفروض عدم جريان البراءة الشرعية ولا العقلية قبل الفحص كما مرّ بيانه بالتفصيل.

وأجيب عنه بجوابين: الأوّل: يمكن أن يقال بعدم استحقاق العقاب من جهة خصوص المخالفة قبل الفحص لا بعنوان التجري، ووجه ذلك: أنه قبل الفحص والاقتحام في المشكوك ومخالفة الواقع يمكن أن يجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان أيضاً، وبعبارة أخرى يكون للمخالف مؤمناً عقلياً على جواز المخالفة.

بيان ذلك: أن يكون المراد من البيان في قولهم (قبح العقاب بلا بيان) هو أن يُجعل التكليف في معرض الوصول إليه من قبل المكلّف، ومع عدم تمكن المكلّف من الوصول إليه، كان البيان غير تام من قبل المولى والشارع، وعندئذٍ يستقل العقل ويحكم بقبح العقاب لعدم تمامية البيان، فتكون المخالفة مقرونة بالمؤمن العقلي.

نعم يبقى أنّ المكلف غير ملتفت إلى عدم تمامية البيان من قبل المولى وكان يحتمل تمامية البيان وعليه أن يفحص حتى يجد أو يعلم أو يطمئن بعدم الوجود كما مرّ فاقتحم الشبهة بلا فحص، فإنّه لو استحق العقاب فليس ذلك من جهة مخالفة الواقع بل من جهة التجري وهذا أمرآخر.

الثاني: أن يقال بالتفصيل في المقام باعتبار أدلة وجوب الفحص، فإن كان المبنى إنّما يجب الفحص لآية السؤال (فأسألوا أهل الذكر) وللأخبار الدالة على وجوب التعلم وتحصيل العلم بالأحكام، فإنّه لا يستحق العقاب عند الارتكاب ومخالفة الواقع، لأن المفروض عدمإمكان التعلم والفحص وتحصيل العلم، فلا يكون المقام من صغريات الآية والأخبار الدالة على وجوب التعلم.

وإن كان المبنى في وجوب التعلم ووجوب الفحص من أجل العلم الإجمالي أو الأدلة الدالة على التوقف والاحتياط على أن دلالتها على الوجوب المولوي الطريقي وليس الارشادي، فإنّ في هذا الفرض يستحق العقاب على مخالفة الواقع لأنه عندئذٍ يكون الواقع منّجزاً قبل الفحص بالعلم الإجمالي أو بوجوب التوقف والاحتياط.

والمختار هو المبنى الأول، فلا يكون مستحقاً للعقاب على مخالفة الواقع وإنما يكون معاقباً للتّجري فتأمل.