ورابعاً: ربما لا يكون الواجب فعلياً بعد دخول الوقت لكون المكلف غافلاً عنه وإن كانت غفلته من جهة عدم تعلّمه أو لكونه غير قادر، ولم يكن عجزه وعدم قدرته يتعلق بترك التعلّم قبل الوقت مع عدم اتساع الوقت للتعلّم وللإتيان بالواجب، فما ذكر من الاشكال لا يختص بهذه الصورة.

فيقال حينئذٍ أنه لابدّ من فعليةن التكليف تحقق القدرة عليه، فإنّه لا تكليف على العاجز، ثم القدرة المعتبرة في الواجب  تارة عقليّة وأخرى شرعيّة.

والأول: من باب قبح التكليف بغير المقدور، فإنّه من التكليف بما لا يُطاق ولا دخل لها ف يالملاك، كما لو ألقى شخص نفسه من شاهق، فإنّه في أثناء هبوطه إلى الأرض لم يكن مكلفاً بحفظ نفسه لعدم قدرته عليه عقلاً، فإن جاذبية الأرض تجذبه حتماً فلم يقدر على دفعها ولكن قدرته عندئذٍ ليست دخيلة في ملاك الواجب، بل مبغوضة الفعل لله سبحانه لا زالت موجودة وباقية على حالها، لأن ما ليس فيه الاختيار لا تنافي الاختيار.

ففي هذا الفرض لابدّ من القول بوجوب التعلم قبل الوقت للتحفظ على الملاك الملزم والواجب في ظرفه، حتى لو لم يكن التكليف فعلياً في الوقت، فإنّ العقل يحكم بقبح تفويت الملاك الملزم. كما يحكم بقبح مخالفة التكليف الفعلي.

والثاني: إذا كانت القدرة شرعاً ودخيلة في الملاك، فلا يجب التعلمخ قبل الوقت ولا فرق في ذلك أن يقال وجوبه طريقياً أو نفسياً، فإنه على القول بالطريق لا يترتب على ترك التعلّم فوات واجب فعلي ولا ملاك ملزم، وأما على القول بالنفسي، فالواجب هو تعلّم الأحكام الخاصة المستوجبة إلى نفس المكلف، وقد فرض أنه لم يتوجه إليه التكليف ولو من جهة عجزه، فهذا لا يجب عليه تعلّم الأحكام المتوجهة إلى غيره وهو من كان قادراً، ومن ثم لا يجب على الرجل تعلم أحكام الحيض.

ففي هذا الفرض لا يجب التعلم على كلا القولين سواء كان وجوب السؤال والتعلم طريقياً أو نفسياً، فلا حاجة إلى القول بالوجوب النفسي مع فرض تمامية الاشكال المذكور، بل يقال بالاشكال كما يقال لعدم وجوب التعلّم، ولا يلزم منه محذوراً فتأمل.

هل يشترط العلم أو مجرد الاحتمال في وجوب التعلم في المسائل المبتلى بها؟

ثم يا ترى هل يختص وجوب التعلّم فيما إذا علم المكلّف أنه سيبتلى بمسائل لا يعلم حكمه سواء علم بذلك تفصيلاً أو إجمالاً أو حتى لو اطمأن بذلك والأول من العلم الوجداني والثاني مع العلم العادي وهو الظن المتاخم للعلم أو الذي يوجب اطمئنان القلب، والمسائل المبتلى بها لمسائل الشكوك والسهو مما يبتلى بها المصلي غالباً، فيعّم الإبتلاء بها أو يجب التعلّم مثل هذا المورد بمجرد احتمال الإبتلاء؟
في المسألة وجهان بل قولان: فذهب المشهور وربما المتسالم عليه إلى الثاني، ولكن ربما يقال بالأول تمسكاً باستصحاب عدم الإبتلاء وبعد احراز عدم الإبتلاء ولو تعبّداً، فإنّه لا يجب التعلم حينئذ.

ولكن أورد على الاستصحاب باشكالين الأول: أن أدلة الاستصحاب لا تشمل المقام لأنها إنذما تشمل الأمور الماضية مما فيه اليقين ثم الشك فلا تشمل الأمور المستقبلة كاحتمال أن يبتلى بمسائل . الثاني: لابدّ في الاستصحاب من ترتب أثر شرعي عليه وفي المقام لم يكن أثراً شرعياً يترتب على الاستصحاب ولكن في كلا الاشكالين إشكال وهذا ما يأتينا توضيحه إن شاء الله تعالى.