اشكال وجواب:

لو قلنا أن وجوب الفحص والتعلم والسؤال إنما هو من الوجوب الطريقي، فإنّه يرد عليه اشكال وهو: لو فرضنا أن الواجب من الواجب المشروط وكان الشرط غير حاصل كالواجب الموقت قبل وقته،  فقبل حصول شرطه وبعد حصوله لا يكون قادراً على امتثاله لعدم التعلّم والفحص، وحينئذٍ يلزمه سقوط التكليف عنه بعجزه، ويلزمه عدم وجوب التعلم لا قبل حصول الشرط ولا بعده، وهذا يلزمه أن يكون وجوب التعلم وجوباً نفسياً، ومطلوباً بالذات ولو لم يحصل الشرط في الواجب المشروط.

وأجيب عنه: أن للواجب والوقت لهما حالات:

أولاً: ربما يكون الواجب فعلياً مع سعة الوقت لتعلّمه والإتيان به، فإنه لا يجب عليه التعلم قبل دخول الوقت، وذلك لأن الواجب لم يكن وجوبه فعلياً، وبعد دخول الوقت سيكون مخيّراً بين التعلّم والامتثال التفصيلي، أو يأخذ بالاحتياط ويكفيه الامتثال الإجمالي ولا فرق في الاحتياط بين أن يكون موجباً لتكرار العمل أو لا يلزمه ذلك.

وذهب جمع من الأعلام ولا سيما المعاصرين منهم إلى جواز الامتثال الإجمالي كما في قصد رجاء المطلوبية وإن كان متمكناً من الامتثال التفصيلي والجزم بالنيّة.

وثانياً: وربما يكون الواجب فعلياً كذلك إلّا أنه مع عدم اتساع الوقت للتعلّم وللإتيان به تفصيلاً، إلّا أن المكلف يتمكن من الاحتياط ولو بتكرار العمل، وهنا كذلك يقال بعدم وجوب التعلم قبل الوقت لعدم فعلية وجوب الواجب، ولا بعد الوقت لعدم اتساع الوقت للتعلم والإتيان بالواجب التفصيلي، فحينئذٍ له أن يتعلم قبل الوقت أو يأتي بالاحتياط بعد الوقت.

ربما يقال أن الامتثال الإجمالي إنما هو في طول التفصيلي فليس في عرضه، فمتى لم يتمكن من التفصيلي فيكفيه الإجمالي فمع القدرة على التفصيلي لا مجال لا يجوز الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي.

وأجيب عنه: أنه في الفرض المذكور لا يصدق هذا المعنى بأن يكون الإجمالي بعد التفصيلي، لعدم التمكن من الامتثال التفصيلي في ظرف العمل.

وثالثاً: ربما يكون الواجب فعليّاً مع عدم اتساع الوقت للتعلم وللإتيان به، كما لا يكون المكلف متمكناً من الاحتياط، إلّا أنه متمكن من الامتثال الإجمالي فقط، وهذا الامر تارة يكون في أركان الصلاة وأخرى في غيرها.

أماالأول: كما إذا شك في الركوع عند الهدي إلى السجود، وأنه لم يتعلّم حكم ذلك قبل العمل، فهنا لا يتمكن من الاحتياط وإحراز الامتثال لأنه إذا أراد أن يرجع ويأتي بركوع آخر، فيحتمل زيادة الركن وهو مبطل، وغذا أراد أن يمضي في هونه للسجود فإنه يحتمل نقصان ركن وهو مبطل للصلاة أيضاً فلا يتمكن من الإحتياط.

وأمّا الثاني: فيما كان متعلقاً بغير الأركان، فإنّه متمكن من الاحتياط وإتيان المشكوك فيه بقصد رجاء المطلوبيّة، وفي هذا الفرض يجب عليه التعلّم قبل الإبتلاء بالشك وذلك بحكم العقل من باب (دفع العقاب) المتحمل عند فعلية الشك، فيشمله أدلة وجوب العمل، لأنه لو لم يتعلّم قبل الإبتلاء بالشك ويكتفي بالإمتثال الإحتمالي، ثم لم يصادف عمله الواقع، كانت صلاته باطلة وصحّ عقابه، ولا يحق له أن يعتذر بعدم علمه بالمسألة، لأنه يقال في جوابه (هلّا تعلّمت حتى عملت).

وفهذا أفتى الأعلام بوجوب تعلّم مسائل الشك والسّهو قبل الإبتلاء. بل قالوا بفسق من لم يتعلّم، فما ذكر من الاشكال في الواجب المشروط لا يجري في هذا الفرض.