عطفاً على ما سبق: يقع الكلام في التنبيه الثالث، قال المصنف قدس سره في المسألة السابقة: (نعم مع الاضطرار ولو لضيق الوقت عن الخروج من السفينة مثلاً لا مانع، ويجب عليه حينئذٍ مراعاة الاستقبال والاستقرار بقدر الإمكان وفيدور حيثما دارت الدابة أو السفينة، وإن أمكنه الاستقرار في حال القراءة والأذكار واسكوت خلالها حين الاضطراب وجب ذلك مع عدم الفصل الطويل الماحي للصورة وإلّا فهو مشكل.

أقول: لقد تقدّم في مسالة الصلاة في الدار الغصبية أنه لو ضاق الوقت حال الخروج ويدور أمره بين أن يأتي بتمام الصلاة حين خروجه إلّا إنّه إيماء للركوع والسجود أو أنه يصلي ركعة واحدة تامة الشرائط خارج الدار، فإنّه ذهب المصنف كما عند المشهور إلى تقديم الثاني، ومما يدل عليه ما ورد (من أدرك ركعة فكأنما أدرك الصلاة جميعاً) على أن المراد من ضيق الوقت أنه لا يتمكن من إدراك الصلاة في المكان المباح ولو بمقدار ركعة.

ولكن أولاً: المراد من ضيق الوقت في المقام هو عدم التمكن من أداء تمام الصلاة بعد تامة الأجزاء والشرائط خارج السفينة بعد خروجه.

وثانياً: ما في المقام يكون بعكس ما في الدار الغصبية، فإنّه يصلّي في السفينة وإن لم يتمكن من استيفاء الأفعال ما دام لم يتمكن من الخروج وإن يأتي بصلاة اختيارية تامة الأجزاء والشرائط في وقتها، ولا فرق في ذلك بين أن يتمكن من إدراك ركعة تامة خارج السفينة أو لم يتمكن.

وثالثاً: الوجه في ذلك هو التمسك بإطلاق صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة، فإنّ ظاهر قوله عليه السلام: (فإن لم تقدروا فصّلوا قياماً...) أي إذا لم تقدروا من الخروج لإتيان الصلاة الاختيارية كلها في الوقت، ولا فرق في ذلك لمن تمكن من إدراك ركعة تامة خارج السفينة أم لم يتمكن، فالمراد بالضيق في مسألة السفينة هو عدم سعة الوقت لأداء صلاة تامة بعد الخروج، فيصلي في السفينة ويأتي بالأبدال بدلاً عن الاختيار الأقرب فالأقرب، فيجب عليه رعاية إستقبال القبلة والاستقرار وعدم الاضطراب بقدر الامكان، ومن أجل مراعاة القبلة لو دارت السفينة، فإنّه يدور معها، وإن لم يتمكن لريح، فإنّه يصلي إلى صدر السفينة كما ورد في مرسلة للصدوق في الهداية وفقه الرّضا، وإن كان السند ضعيفاً إلّا أنه يؤخذ بحكمهما تسامحاً، فيدل على استحبابية الصلاة إلى صدر السفينة عند عدم التمكن من الاستقبال هذا في الاستقبال وكذلك في استقرار المصلي وعدم الاضطراب في الأفعال، فإنّه مهما أمكن مراعاة ذلك في حال القراءة والأذكار، بل والسكوت خلال القراءة والأذكار عند الاضطراب ولكن في السكوت يكون بنحو لا يوجب الفصل الطويل الماحي لصورة الصلاة عرفاً، فإن كان فمشكل هذا ما ذهب إليه المصنف قدس سره، ولكن الظاهر عدم الاشكال بأن يشتغل بأفعال الصلاة ولو مع الاضطراب للضرورة، ولقاعدة الميسور.

وإنّما ذهب المصنف مع ضيق الوقت في مسألة السفينة يصلي فيها مع رعاية الشرائط والأجزاء مهما أمكن ولا يخرج منها وإن أدرك ركعة تامة خارج السفينة، على ما اختاره من تقديم الوقت على سائر الشروط من القيام والاستقرار والاستقبال لكونه أهمّ بالنسبة إليها، فتكون المسألة حينئذٍ من باب التزاحم في مقام العمل والامتثال، فيقدم الأهم وهو عند المصنف الوقت، فتأمل والله العالم.

مسألة 25 ـ لا يجوز الصلاة على صبرة الحنطة، وبيدر التين، وكومة الرّمل مع عدم الاستقرار، وكذا ما كان مثلها.

أقول: بعد ثبوت اشتراط الصلاة بطمأنينية المصلي في أفعال صلاته، فلا تصح من الاضطراب إختياراً، فيعتبر الاطمئنان في القراءة والأذكار.

ويتفرع على ذلك أنه لا يجوز الصلاة على مثل صبرة الحنطة، وبيدر التين وكومة الرّمل مع عدم الاستقرار، ووجهه ظاهر، فإنّه خلاف اعتبار واشتراط الاستقرار، وإذا فقد الشرط فقد المشروط كما هو واضح.

الثالث نهى شرائط مكان المصلّي أن لا يكون معرضاً لعدم إمكان الإتمام، وهذا ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.