يقع الكلام عطفاً على ما سبق: في الصلاة في السفينة في الصورة الثالثة: فيما إذا كان متمكناً أن يصلّي خارج السفينة، فهل يجوز الصلاة فيها سواء أكانت متحركة أو واقفة.

اختلف الأعلام في ذلك ومنشأ الخلاف ـ كما مرّ ـ هو القول بقادحية الحركة التبعية وإيجابها بطلان الصلاة لفقد اشتراط واعتبار القرار في المكان، أو عدم القادحية ما دام متمكناً من رعاية الأجزاء والشرائط، فذهب المشهور كما هو المختار إلى الثاني، وعندة ما يستدل عليه النصوص الواردة في هذا الباب منها: ـ كما مرّ ـ صحيحة جميل بن دراج: وبإسناده ـ الشيخ الصدوق عليه الرحمة ـ عن جميل بن درّاج أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: تكون السفينة قريبة من الجدّ (الجُدد) فأخرج واُصلّي؟ قال: صلّ فيها، أما ترضى بصلاة نوح عليه السلام^([1]).

وجه الإستدلال: بعد صحة السّند أو إعتباره في الجملة، كما يقال أن طريق الصدوق إلى جميل إنما يكون صحيحاً مع ضمّ محمد بن حمران، فتأمل، فدلالتها واضحة بأنه يجوز الصلاة في السفينة مطلقاً وإن كانت قريبة من الأرض ويتمكن من الخروج منها والصلاة على الأرض، بل يظهر استحباب ذلك لما فيه من التأسي بشيخ الأنبياء نوح عليه السلام.

ومنها: رواية يونس بن يعقوب.

وبإسناده ـ الشيخ الصدوق ـ عن يونس بن يعقوب:

أنه سأل أبا عبد الله× عن الصلاة في الفرات وما هو أصغر منه من الأنهار في السفينة؟ فقال: إن صليت فحسن ، وإن خرجت فحسن^([2]).

وجه الاستدلال: أما السند ففي سند الصدوق إلى يونس بن يعقوب كما في مشيخته الحكم بن مسكين المكفوف مولى ثقيف أبو محمد الكوفي وقد عبّر عنهاسيدنا الخوئي في تقريراته بالموثقة إعتماداً على مبناه الأوّل من التوثيق العام وإنّه وقع في سند كامل الزيارات إلّا أنه عدل من هذا المبنى القائل بتوثيق من وقع في سند الكامل كما هو المعروف عنه في آخر عمره قدس سره، ولكن إنّما نقول بوثاقته لأن له كتب ونقل عنه ابن أب يعمير وعلي بن اسباط وغيرهما من الأعلام (جامع الرواة: 1: 267).

وأمّا الدلالة فواضحة تدل على الجواز.

ومنها: خبر المفضل بن صالح^([3]).

وبإسناده ـ الشيخ الصدوق عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضّال، عن المفضل بن صالح:

قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الفرات وما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة؟ قال: إن صلّيت فحسن، وإنخرجت فحسن.

وجه الإستدلال من حيث الدلالة كما في السابقة تدل على الجواز ولكن من حيث السّند فقد اختلف الاعلام فمنهم من عبّر عنها بالصحيحة كالمحقق الهمداني في(مصباح الفقيه: الصلاة: 106 السطر 12) ومنهم من عبر عنها بالموثقة، ومنهم من أنكر كلايهما بتضعيف الفضل بن صالح. من جهة تضعيف النجاشي إياه وذلك في ترجمة : (جابر بن يزيد) (رجال النجاشي: 128 ـ 332).

حيث قال بعد ترجمة جابر وتوثيقه ما لفظه: (روى عنه جماعة غمز عليهم وضُنعَفوا، فمنهم عمرو بن شمر ومفضل بن صالح...).

ولكن قيل في جوابه: إنّ العبارة غير صريحة في الضعف وأقصى ما فيها الظهور في التضعيف، ويمكن الخدش فيه فإنّ حكاية التضعيف ولا سيما في ترجمة شخص آخر من دون التعليق عليه بالنفي والإثبات بل مجرد نقل القول، فإنّه لا يكشف عن الارتضاء بالقول، بل ربما يكون محايداً أو متوقفاً، فتأمل.

وعلى أي حال فإنّ فيما عداها كفاية لا ثبات صحة الصلاة في السفينة وإن تمكن الخروج منها.

ولكن ربما يقال بتعارض الطائفة الأول من الروايات الدالة على الجواز بطائفة ثانية ظاهرها عدم القول بالجواز، فيلزم التعارض بينهما، بيان ذلك يأتينا إن شاء الله تعالى.