جريان الأصول العملية العقلية والشرعية في الجزء المشكوك

عطفاً على ما سبق: في الجزء العاجز عن أتيانه، فلو شك في جزئيته بعد عدم وجود دليل يدلّ على إطلاقه أو تقييده حكومةً ومن باب الأظهّرية أو بأي وجه آخر على إختلاف الأقوال والمباني فهل نجري أصالة البراءة العقلية إلى مستندها قبح العقاب بلا بيان مطلقاً في كل الموارد المشكوكة أو نقول لتفصيل في الأجزاء والشرائط والموانع؟

لاشك أنّ في بعض فروض المسألة نجري أصالة البراءة العقلية، كما أنّ÷ لو كان عند بلوغ المكلف غير قادر على إتيان الجزء كما لو كان أخرساً غير قادر على إتيان فاتحة الكتاب، والمفروض أنّ فاتحة الكتاب جزء الصلاة، فعند الشك أنه يجب على الأخرى كما يجب على غيره لإطلاق الجزئية أو أنها واجبة وجزء عند التمكن فعند العجز لا جزئية فيها، فنشك في أصل التكليف وهو مورد أصالة البراءة الشرعيّة.

وبعبارة أخرى: نشك بالنسبة إلى الأخرس في  أصل وجوب الصلاة عليه بتمام الأجزاء بنحو لو عجز عن أحدهما، فإنّه يوجب سقوط للصلاة عنه رأساً لانتفاء الكل بإنتفاء الجزء، أو أنّ الواجب عليه الجزء لو كان متمكناً منه وإلّأ فعند العجز عنه يسقط الجزء فقط عن الجزئية فيجب عليه إتيان باقي الأجزاء، فنشك عند عدم التمكن من التكلّم مثلاً أنّه مكلف بفاتحة الكتاب أو غير مكلف وهذا مجرى أصالة البراءة العقلية، فالشك يكون في أصل التكليف بالجزء والجزئية لا في أصل الصلاة، فمع أصالة البراءة بالنسبة إلى الجزء المشكوك يأتي بباقي أجزاء الصلاة وصحّت صلاته.

هذا مورد ومثال والمورد الآخر: لو كان غير قادر على التّكلم لمرض في تمام الوقت فعجز عن فاتحة الكتاب، فيشك في هذا الوقت هل يجب عليه فاتحة الكتاب مطلقاً، فلما كان عاجزاً فلم تجب عليه الصلاة مطلقاً، أو أنّه إنّما هي جزء مع التّمكن ومع العجز فلا جزئية للجزء فتسقط ويجب إتيان باقي الصلاة، فإنّه أيضاً من الشك في أصل التكليف وهو مجرى أصالة البراءة العقلية، ولازمها عدم وجوب اتيان أصل الصلاة من دون جزءها، بل بإنتفاء الجزء ينتفي الكل لأنّ الجزء عند العجز باق على جزئيّته، وبإنتفاءه ينتفي الكل، وهذان الفرضان لا كلام لنا في جريان البراءة العقلية.

وإنّما الكلام في الفرض الثالث: وذلك فيما لو كان في وقت الصلاة مثلاً كالظهرين بين الوقتين المبدء والمنتهى كان قادراً على التكلم فكان يجب عليه إتيان الفاتحة ولكن لم يصلّي ثم عجز عنها لمرض، فنشك في أصل الصلاة وأصل التكليف كما نشك في أصل الجزء فإذا قلنا بجزئية الفاتحة مطلقاً سواء أكان متمكناً في تمام الوقت أو كان عاجزاً في تمامه أو بعضه، فعندئذٍ مع إنتفاء الجزء ينتفي الكل فلا تجب عليه باقي صلاته، وإن قلنا بأنّ جزئية الفاتحة إنّما تعتبر عند التمكن فعند سقوطها للعجز يأتي بباقي الأجزء، وحينئذٍ أما أن نشك في أصل الصلاة أو في أصل الجزء فإنّه نرجع إلى البراءة العقلية كما هو الظاهر، فالثالث كالأوليين إلّا أنه أقل وضوحاً، فما كان مشكوكاً في وسط الوقت يكون مشكوكاً من أوّله، لأنّ التكليف من أول الوقت إنّما كان بإعتبار تمامية الأجزاء والشرائط، لأنّ المعلوم من أول الوقت هو التوجه لإتمام الأجزاء لاشتراط القدرة، فالتكليف في أوّل الوقت ما كان تام الأجزاء للقادر، وعند العجز لا نشك في هذا الأمر، فلو لو سأل العاجز إنّك لو كنت قادراً فما هو الواجب عليك؟ لأجاب بإتيان تمام الأجزاء والشرائط، وهذا يدل على أنّ التكليف من أوّل الأمر باق على حاله وقوّته، إلّا أنّه عاجز عن إتيانه، ونشك في جزئيته والمشكوك الآن هو مشكوك من أوّله ومن بادئ الأمر، هذا في المقام شبهتان كما تأتينا إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين.