يقع الكلام في بيان النسبة بين حديث من زاد وحديث لا تعاد، فإنّها نسبة العموم والخصوص من وجه كما مرّ تفصيل ذلك والكلام مادّة الإجتماع وهي زيادة غير ركنية فيقع التعارض بينهما إذ حديث فما زاد يقول: ببطلان الصلاة ولكن حديث لا تعاد ويقول بصحته، فهل يقال بالتعارض والتكافئ بينهما فيقال بالتسلط والرجوع إلى القواعد الأخرى كالعمومات  أو الأصول العمليّة أو يقال بترجيح أحدهما على الآخر لوجود مرجح فيه، فيؤخذ بالدليل الأرجح عند التعارض كما في الخبر المتعارضين.

ذهب الشيخ الأعظم الشيخ الأنصاري قدس سره إلى الثاني، فقال بأن حديث لا تعاد يقدم لكونه أقوى وأرجح.

والوجه في ذلك: إنّ الأدّلة التي تقول بكون خلل شيء أو تركه مخلّ بالصلاة كما لو ورد أن الضحك أو التكلم في الصلاة يوجب بطلانها، فإنّ دليله بالقياس إلى حديث لا تُعاد، يكون من باب الحكومة أي حكومة حديث لا تعاد عليه، وبهذا يترجّح حديث لا تعاد بالنسبة إلى كلّ الأدلة الدالة على المبطلات في الصلاة ومنها حديث من زاد في صلاته.

فإذا كان لنا دليل: (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) فإنّ حديث لا تعاد حاكم عليه والحكومة بمعنى توسيع موضوع المحكوم عليه أو تضيقه وفي المقام أنه من ترك فاتحة الكتاب عمداً أو سهواً بطلت صلاته تمسكاً بإطلاق (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) ولكن حديث لا تعاد حاكم عليه ومقيد لإطلاق ومضيق الدائرة حكمه، بأنّه إنّما يعيدها لو ترك متعمداً أما لو تركها ناسياً فلا تعاد الصلاة إلّا من خمس وفاتحة الكتاب ليس منها فلا تعاد الصلاة.

فالحكومة الاصوليّة عبارة عن أنّ دليل الحاكم يتصّرف في دليل المحكوم أما بالتصرف في موضوعه أو محموله أو في سلسلة علله أو معلولاته، فدائرة الحكومة وسيعة مما توجب توسيع دائرة المحكوم عليه أو تضيقه، كما يقال لاشك لكثير الشك فإنّه حاكم على دليل من شك بين الثلاث والأربع يعني على الأربع.

وأورد عليه المحقق الحائري المؤسس قدس سره وفمعنى الحكومة بين الحديثين لأن أحدهما يحكم بوجوب الإعادة في مادة الإجتماع وهو حديث من زاد والآخر بنفيها وعدمها وهما في مرتبة واحدة، فأي شيء يوجب أن يكون أحدهما مقّدّماً على الآخر حتى يقال بالحكومة.

نعم لو كان دليل من زاد مثل الأدلة الأخرى الواردة في مبطلات الصلاة كالضحك والتّكلم المبطل ونحو ذلك فيعنون بعنوان النهي والبطلية كما لو قال لا تتكلم في الصلاة أو الحدث مبطل للصلاة والضحك مبطل للصلاة، فعند حديث لا تعاد تكون حاكمة على تلك الأدّلة بجريان الضابط في الحكومة وهو التّصرف في سلسلة المعلولات، لأنّ الحدث لو كان منهى عنه ومبطلاً، فإنّ له معلولاً يعبر عنه بقاء النتيجة كما يقال الحدث مبطل للصلاة فتجب الإعادة.

ولكن حديث لا تعاد لا تتصرف في دليل الحدث مبطل أو لا تضحك في الصلاة لكون الإثبات والنفي في رتبة واحدة فكيف تكون الحكومة، فتأمل وإن مال إلى هذا الإشكال بعض الأعلام المعاصرين.

ثم ذهب بعض الاعلام المعاصرين إلى أنّ في مادة اجتماع الحديثين إنّما يكون التعارض ولا يرفع بالحكومة كما عند الشيخ قدس سره بل إنّما يرفع المعارضة بتقديم حديث لا تعاد لكونه أقوى ظهوراً من مفاد الحديث الآخر، فيقدم.

وأمّا الوجه في كونه أقوى ظهوراً ، فمن أحد طريقين: الأول: لو كانت الجملة استثنائية كما في حديث لا تعاد فإنّ ما يبقى تحت المستثنى منه من الأفراد فيها من القوة ما ليس في غيرها، أي خروج المستثنى من المستثنى منه فيه من القوة ما ليس في غيره، كما لو قال جائني القوم، فربما المتكلم أو المخاطب يكون في ترويد مجيء زيد مع القوم، فإذا قال: إلّا زيداً فإنّه بذلك يقطع هذا الترديد والشك ويبدله إلى العلم والقطع، وهذا معنى القوة في الجملة الإستثنائية بخلاف الجملة التي فيها النفي أو النهي كقولنا (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب)، فأحاديث مبطلات الصلاة في الزيادة لا تقاوم حديث لا تعاد والجملة الإستثنائية التي فيه عند المعارضة.

والثاني: إنّ حديث لا تعاد شامل على تفعيل لم يكن في أحاديث التّفرع والنهي والتعليل في ذيل الحديث وهو عبارة عن قوله (والتشهد سنّة وللسّنة لا تنتفي الفريقين) وما فيه التعليل سيكون أقوى مما ليس فيه عند المعارضة، ومن ثم يقدّم حديث لا تعاد على حديث من زاد في مادة الإجتماع فمن زاد في غير الاركان الخمسة سهواً فإنّه لا يعيد صلاته، فتأمل.

وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.