يقع الكلام عطفاً على ما سبق: في بيان وجوه الاستصحاب لإثبات الصحة مع الزيادة، فأشرنا إلى وجهين وبقي وجهان:

الوجه الثالث: استصحاب الهيئة الاتصاليّة عند تحقق زيادة الجزء.

بيان ذلك: إنّ الهيئة الاتصالية في المركب التام في مثل الصلاة إنّما هي أمر إعتباري وراء نفس الأجزاء، فيكون تحققها من أوّل وجود المرّكب إلى آخره، فالمركب بهذا الاعتبار سيكون متصفاً بأمر وحداني متّصلٍ، ويكون نظير الموجودات غير الثارة في التكوينيات كالزمان والحركة، فإن كل واحد من الأمر الوحداني التشريعي الاعتباري والتكويني سيكونان أمراً واحداً ممتّداً ومتصلاً يوجد بأوّل جزء وينعدم بآخر جزء، بلا تخلّل عدم بينهما، ولا فرق بينهما إلّا أن الأتصال في التشريعات وفي الهيئة الاتصالية من الأمر الاعتباري، وفي الزمان من الأمر الحقيقي.

وإن قيل: إنّ الهيئة الاتصالية ليست إلّا هي الوحدة المعتبرة في كلّ مركّب يقع تحت دائرة الطلب كما قيل في مبحث الأقل والأكثر.

فهذا من الوهم: للفرق بين وحدة المركب والهيئة الاتصاليّة، حيث أنّ الوحدة المعتبرة في كلّ مركب تجعل الأمور المختلفة كالركوع والسجود في الصلاة شيئاً واحداً يتعلّق به أمر واحد، وأمّا السكونات المتخللة بين الأجزاء وتكون خارجة عن المركب، وهذا بخلاف الهيئة الاتصاليّة، فإنّها تجعل تلك السكونات المتخلّلة داخلة في المركب لا على نحو سائر الأجزاء حتى تكون في عرضها، بل هي بمنزلة خيط السبحة تضّم شتات الأجزاء ويوصل بعضها ببعض، فيكون من يأتي بالمركب قد دخل فيه من أوّله إلى آخره حتى في السكونات المتخلّلة.

ومثل هذه الهيئة الاتصالية الاعتبارية في المركب يحتاج إلى دليل يدل عليها، كما في الصلاة فإنّ الدليل دلّ على ذلك، فإنّه قد ورد في جملة من الأخبار المعتبرة في البطلان للصلاة التعبير بالقواطع الظاهرة ، بأنّها تقطع نفس الصلاة أي الهيئة الاتصالية، كما في قوله عليه السلام: (الالتفات إذا كان بكلّه يقطع الصلاة) ^([1]).

وقوله عليه السلام: (لا يقطع الصلاة إلّا أربعة: الخلاء والبول والريح والصوت) ^([2])، ونحوهما غيرهما، وظاهرها كون القواطع تقع نفس الصلاة، ولو لم تعتبر للصلاة هيئة اتصالية لما كان لاستعمال القاطع فيها وجهاً كما لا يخفى.

أضف إلى ذلك: ما كان مرتكزاً عند المتشرعة، فإنّه يكشف عن اعتبار الشارع الهيئة الاتصالية في مثل الصلاة والمركب التّام فإنّه كلّ مصلّي في صلاته يرى نفسه قد شرع بها ودخل بتكبيرة الاحرام ولا يخرج منها إلّا بالسّلام ويعم ذلك كل الاجزاء وحتى السكونات المتخللة بينها، وهذا ممّا يدل على اعتبار الهيئة الاتصالية في الصلاة.

وعندئذٍ إذا دخل المصلّي في صلاته إذا تخلّل بشيء في الصلاة بأن زاد جزءاً مثلاً فيها، فيشك عند ذلك في بقاء الهيئة الاتصالية المعتبرة شرعاً فيها، فإنّه يستصحب الهيئة الاتصالية فتصّح صلاته بهذه الزيادة.

الوجه الرابع: استصحاب الصحة التأهليّة للأجزاء بعد وقوع ما يشك في قاطعيته أو مانعيته.

بيان ذلك: إنّ معنى الصحة التأهلية هو أنّ الأجزاء السابقة تكون لها حيثيّة استعدادية بلحوق الأجزاء اللاحقة ولم تخرج بواسطة تخلّل ما يشك في قاطعيته أو مانعيته عن تلك الحيثية ولم يبطل الاستعداد بواسطته.

فعند الشك في الزيادة يقال بصحة الصلاة استصحاباً للصحة التأهليّة.

وأشكل على ذلك المحقق النائيني قدس سره.

أولاً: أنّه من الاستصحاب التعليقي لأن معناه هو أنه لو انضم إليها البقية كانت الصلاة صحيحة، ولا مجال لجريان الاستصحاب التعليقي.

وثانياً: أن معنى الصحة التأهلية حيث يكون أنّه لو انضم إليها البقية تكون الصلاة صحيحة وهذا المعنى فرع وقوع الأجزاء السابقة صحيحة، وهذا ممّا يقطع به، فلا شك حتى يجري الاستصحاب^([3]).

واُرد عليه:

أنّ الصّحة التأهلية هي الحيثية الاستعدادية المعتبرة في الأجزاء السابقة لتأهّل لحوق باقي الأجزاء إليها، وهذا أمر مشكوك فيه، وواضح أنّه لا يكون الاستصحاب فيه تعليقياً.

فظهر صحة جريان استصحاب الصّحة التأهلية للأجزاء عند طرق ما يشك في قاطعيتها أو مانعيتها.

نعم إنّما يرد عليه: أنّ مثل هذا الاستصحاب من الأصل المثبت ، فإنّ أصالة بقاء الاستعداد في الأجزاء السابقة لا يثبت ربط الأجزاء اللاحقة، بها وتحقق الصحة الفعليّة إلّا على القول بالأصل المثبت وهو كما ترى.

فتحصل من جميع الوجوه أن مقتضى القاعدة والأصل الأوّلي في ما إذا شك في مانعية الزائد أو قاطعيته هو عدم بطلان العمل، فيكون الأصل في طرف الزيادة والشك عدم ركنية الجزء إلّا أن يقوم دليل شرعي على خلافه.