عطفاً على ما سبق: في مسألة من صلى على صف مباح، وكان ما تحته من الأرض مغصوباً، فإنّ المصنف قدس سره، أشار إلى ثلاث فروض: الأول كما مرّ تفصيله فيما إذا كان السقف معتمداً على تلك الأرض فإنّه تبطل الصلاة عليه لأنه من التصرف في الغصب والتركب فيه اتحادي، وإلّا فلا.

ومن الأعلام المعاصرين من اشكل على القول بالبطلان في الصورة الأولى بأن الكون على المسطح من التّصرف فيه وليس تصرفاً فيما يعتمد عليه السقف، نعم إنّما هو من الإنتفاع به كالانتفاع بالجدار المتوقف عليه السقف والانتفاع بالمغصوب غير محرم كما عليه أدلة الغصب كالتوقيع الشريف وموثقة سماعة كما مرّ، وكذلك تحليل الانتفاع الحاصلة بالمجاورة والنظر والسماع والشمّ^([1]).

وأجاب عنه معاصره بأنه ربما يقال بالصحة أيضاً في الفرض والشق الأول من جهة منع صدق التصرف في الغصب بل غايته الانتفاع به ولا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير ما لم يتحقق معه التّصرف، لاختصاص الأدلة بالثاني دون الأول. ولكنه كما ترى بما يرد عليه الإشكال، فإن مجرد الانتفاع وان لم يكن حراماً كالاصطلاء بنار الغير أو الاستضاءة بنوره، أو الاستظلال بجداره أو النظر أو الشم ونحو ذلك مما قامت السيرة القطعية على جوازها، لكن المتحقق في المقام ـ زائداً على ذلك ـ هو عنوان التصرف، إذ من الضروري البديهي أن الإعتماد على السقف المعتمد على المكان المغصوب يعّد تصرفاً في ذلك المكان لكونه اعتماداً عليه، والاعتماد في أمثال المقام من أظهر أنحاء التصرف، غايته أنه مع الواسطة لا بدونها، وقد مرّ بعدم الفرق في صدق التصرف الغصبي أن يكون مع الواسطة أو بدونها. فالإنصاف أن منع صدق التصرف في مثل المقام مكابرة ظاهرة. وعليه فتبطل الصلاة بلحاظ حال السجود، لتقومه بالوضع والاعتماد المستجد مع الغصب، فإنّ الاعتماد الحاصل حال السجود بعينه تصرّف في المكان المغصوب الواقع تحت السقف كما عرفت، فما فيه من التفصيل في المتن هو الصحيح^([2]). إنتهى كلامه ورفع الله مقامه.

أقول: يظهر من العلمين المعاصرين أن منشأ إختلافهما يرجع إلى أن المورد من التصرف الغصبي حتى يوجب البطلان أو الانتفاع الغصبي حتى يقال بالصحة، والظاهر في مثل هذه الموارد لتشخيص الموضوعات التي لم يشخصها الشارع يرجع فيها إلى العرف وكما يقال ـ العرف ببابك ـ وانما يحكم العرف بما هو الظاهر من دون الدقة العقليّة ، كما ان الخطابات الشرعية منزلة المتفاهم العرفي، كما ان المراد من العرف أهل الخبرة في كل علم وفن وصناعة، والظاهر من عامة الناس لا بمعنى أن يجرد المجتهد نفسه عن اجتهاده وعلمه ثم يحكم بما يراه ويعّد نفسه عرفاً، حتى لا يصدق عليه رجوع العالم إلى الجاهل، بل نقول القول بجهله أمر إضافي ونسبي فإنّه بالنسبة إلى إجتهاد المجتهد الفقيه يكون جاهلاً ولكن بالنسبة إلى خبرته في تشخيص الموضوع يكون عالماً، والمجتهد يكون بمنزلة الجاهل فيرجع الجاهل إلى العالم في تشخيص الموضوعات العرفيّة، فتأمل.

وعلى كل حال الظاهر في المقام بحسب الصدق العرفي فيما لو كان السقف معتمداً على مغصوب فإن التصرف فيه كالصلاة عليه يعدّ تصرفاً بالمغصوب إلّا أنه بالواسطة وهذا لا يتنافى مع صدق التصرف الغصبي، فتأمل.

الفرض الثاني: فيما لو صلى في مكان كان الفضاء الواقع فيه السقف مغصوباً بأن بني السقف بنحو يعتمد على فضاء الغير كما لو بناه على أرض الغير بأعمدة خارجة عن الأرض فكان الفضاء حينئذٍ مغصوباً بأعتبار الفضاء المتخلل بين الطابق الفوقاني فيما أذن صاحب الأرض ببناءه والطابق استحقاقي فيما أذن صاحب الأرض كذلك فيكون الطابق الوسطاني غاصباً للفضاء، فذهب المصنف كما عند المشهور القول ببطلان الصلاة فيه، لأنّه يعّد من التصرف الغصبية وإن التركب مع أفعال الصلاة فيه تركباً إتحادياً.

ولكن الظاهر ان السقف لم يعتمد على الأرض المغصوبة وإنّما اعتمد على الأرض المباحة بحسب الفرض فلم يعتمد السقف على الفضاء المغصوب فلا يعّد من التصرف فيه حتى يوجب البطلان.

وبعبارة أخرى: الأفعال الصلاتية لا تعدّ تصرفاً في الفضاء وإن كانت تصرفاً في السقف، فإنّه بحسب الصدق العرفي جلو على السقف وركوعه وسجوده يعد تصرفاً، ولكن مماسة الفضاء ليست كذلك والظاهر انه غير معقول بأن يقال بتطبيق المماسة للفضاء المغصوب.

فالأولى القول بالصّحة.

الثالث: فيما إذا كان مكان المصلي مباحاً إلّا أن الفضاء الفوقاني الذي يشغله بدن المصلي الواقع فوق سطح الموقف مغصوب كما لو بناه على أرض الغير بأعمدة خارجة عن الأرض كالمثال الأول إلّا أنه في الطابق الفوقاني، فذهب المصنف إلى بطلان صلاته كذلك.

ولكن ربما يقال ان الموجب لبطلان لو كان التركب اتحادياً، والحال بعد فرض اباحة سطح المكان الذي يقع عليه السجود ويعتمد عليه بناء على السجود هو القاء ثقل البدن على الأرض، فإنّه لا يصدق عليه التركب الاتحادي مع الفضاء المغصوب الا على القول بتعدي حكم السجود إلى باقي أجزاء وأفعال الصلاة، فيقال بالبطلان حينئذٍ لصدق التركب الاتحادي بين أفعال الصلاة والتصرف الغصبي في الفضاء المغصوب، فتأمل.