الإشكال الرابع

عطفاً على ما سبق من بيان ما قيل من الإشكالات الواردة على من قال بالبراءة في الأقل والأكثر الإرتباطيين في العلم الإجمالي وهذه الإشكالات في الأصل إنّما هي وجوه من تمسك بقاعدة الإشتغال في الإرتباطيين كما عند المشهور وهو المختار، ولكن مسايرة مع القائل بالبراءة وأنّه يرد على قوله إشكالات ومناقشة وجواب هذه الإشكالات نذكر الإشكال الرابع في المقام.

وقد قرّر ذلك بوجوه ثلاثة تشترك كلّما في أنّ الإشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية ولا تحصل ذلك إلّا بالإتيان بالأكثر.

الوجه الأول: إذا كان التكليف قطعاً كأقم الصلاة، فلابدّ من الإمتثال العلمي في ذلك، فإنّ العقل يستقل بعدم كفاية الإمتثال الإحتمال للتكليف القطعي، لأنه من البديهي أن الإمتثال الإحتمالي فيما إذا كان التكليف إحتمالياً، وأمّا مع التكليف القطعي فإنّه يقتضي الإمتثال القطعي، ومن ثم وجب الإمتثال بالأكثر، لأنّ العلم بإشتغال الذمة يقتضي العلم بالفراغ عقلاً، ولا يكتفي إحتمال الفراغ لتنجز التكليف وذلك بالعلم به ولو بعلم إجمالي، وحينئذٍ يتم البيان الذي يحكم العقل إستقلالاً بتوقف صحة العقاب عليه، فإنّ الذي لا يعاقب عليه لو لم يكن بيان، ولكن في المقام مع هذا الوجه يكون البيان، فلو صادف التكليف في الطرف الآخر غير المأتي به لو أراد أن يأتي بالأقل فقط، فإنّه لا يكون العقاب على ترك الأكثر من العقاب بلا بيان حتى يقال بأصالة البراءة فلا يجوز الإقتصار على الأقل عقلاً، نثبت المطلوب من إتيان الأكثر في الإرتباطيين، لأنّه يشك مع إتيان الأقل في الإمتثال والخروج عن عهدة التّكليف المعلوم ولو إجمالاً، ولا يحصل العلم بالإمتثال إلّا بعد ختم الجزء المشكوك فيه، ولو علمنا تفصيلاً بوجوب الأقل المردد بين كونه لا بشرط أو بشرط شيء هو عين العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر، ولا يعقل أن أن يكون مثل هذا العلم التفصيلي موجباً للإنحلال، وإلّا يلزم أن يكون العلم الإجمالي موجباً لإنحلال نفسه.

فأراد المستشكل أن يرد هذا الوجه والإشكال، بأن الإشتغال اليقيني وإن كان يقتضي البراءة اليقينية إلّا أن ثبوت الإشتغال إنّما هو بمقدارب تمامية الحجة والعلم بالتكليف، ومن المعلوم أنه في المقام لم تقم الحجة الأعلى وجوب الأقل، وأمّا الزيادة فمشكوك فيها بالشك البدوي، فغنّه من الضروري حكم العقل بوجوب الأقل، والأكثر ليس إلّا الأقل مع الزيادة، والأقل في تعلق التكليف به لا يختلف بين أن يكون وعده أو يضم إليه الزيادة، فذات الأقل على كل حال واجب، ووجوبه لا ينافي وجوب شيء آخر أو عدم وجوبه، فلنا علم تفصيلي بالأقل وشك يدوي في الزائد، فليس الشك في مقدار الأقل، وأنها الشك في الزيادة، فليس لنا علم إجمالي بالأقل والأكثر من الأول حتى يحتاج إلى الإنحلال، بل عن علم تفصيلي بالأقل ولك بددي بالزائد. فتأمل.