عطفاً على ما سبق: في كراهة لبس الحديد في الصلاة كما ذهب اليه المشهور إلّا أنّ ظاهر الأخيار عدم الجواز ولكن لضعف سندها تمسك المشهور بأصل الجواز فمن يأخذ به كما عند الأصوليين، فإنّه يحكم بالكراهة حينئذٍ جميعاً بين الأصل وما ورد من النهي في الأخبار، وأمّأ من لم يكن عاملاً بالأصول كالأخباريين، فإنّه يحكم بالمنع وعدم الجواز لما دلّت عليه الأخبار وحمل النهي فيها عن ظاهره من النهي التحريمي.

ثم ورد في خبر النميري أنّ العلة أو الحكمة في المنع من الصلاة فيه إنّما هو من حيث أنه نجس ممسوخ، ولكن الصحيح طهارته وهذا ممّا يوجب تضعيف الأخبار الواردة في المقام من حملها على النهي التحريمي.

ويؤيد هذا المعنى والقول بالجواز ما وراه في كتاب الإحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في ما كتبه إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه : أنه سأله عن الرّجل يصلّي وفي كمّه أو سراويله سكين أو مفتاح  حديد هل يجوز ذلك؟

فكتب في الجواب: جائز.

وروى الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن عبد خير، قال: كان لعلي إبن أبي طالب عليه السلام أربعة خواتيم يتختم بها ياقوت لنبله، وفيروزج لنصره، والحديد الصيني لقوته وعقيق لحرزه.. الحديث.

فقيل: فيه دلالة على جوامز لبس الحديد الصيني.

ولكن يرد عليه: أولاً ليس الحديد الصيني من الحديد في المقام، فإنّه معدنه غير معدن الحديد وإنّما يشتركان في الإسم ويختلفان في المسمّى.

وثانياً: لا يدل على جواز الصلاة فيه صريحاً.

وثالثاً: ضعف السند، فإنّه الخبر ظاهره من العامي فيضعف الإعتماد عليه في تخصيص أخبار المنع عن الحديد مطلقاً.

ورابعاً: روى الشيخ في التهذيب في باب فضل الكوفة ما يتضمن كراهة التختم به.

ثم ظاهر الأخبار سقوط الكراهة لو ستر الحديد كما صرح بذلك الأصحاب، قال المحقق الحلّي في المعتبر، وتسقط الكراهة مع ستره، وقوفاً بالكراهة على موضع الإتفاق ممن كرهه، كما هو المختار.

الثالث عشر: لبس النساء الخلخال الذي له صوت:

أقول: من المكروهات في لباب المصلي لبس الخلخال فيما لو كان له صوت دونهما لو كان أصم فإنّه يجوز من غير كراهة.

والظاهر أنّ كراهة ذلك للنّساء دون الرجال، ويدل على الكراهة للنساء فيما لو كان له صوت، وعدم الكراهة فيما لو كان أصمّاً ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى عليه السلام: أنه سأله عن الخلاخل هل يصلح لبسها للنساء والصبيان؟

قال: إن كانت صماء فلا بأس وإن كان لها صوت فلا يصلح.

ثم لا إختصاص للرواية بحال الصلاة، فإنما تدل على التفصيل مطلقاً، ولكن بإطلاقها تدل على كراهة ذلك في الصلاة أيضاً وهذا ما ذهب غليه المشهور كما هو المختار إلّا أنّ إبن البراج قال بعدم صحة الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت فتأول.

الرابع عشر: القباء المشدود بالزرور الكثيرة أو بالحزام.

أقول: ذهب جمع من الأصحاب إلى كراهة الصلاة في القباء المشدود إلّا في الحرب كما أشار إليه المحقق في الشرائع (1: 84) (ص: 152) ، وحكي عن المفيد في المقنعة : بعدم جواز ذلك بأن يصلي وعليه قباء مشدود إلّا أن يكون في الحرب فلا يتمكن أن يحله فيجوز ذلك للإضطرار، كما نُقل عن إبن حمزة في الوسيلة (ص: 88) حرمة ذلك وعن الخلاف (1: 509) دعوى الإجماع على كراهة أن يصلي مشدود والوسط.

وحكي من الشيخ في التهذيب: أنه ذكر الشيخ الصدوق ذلك وأنه  سمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم نعرف به خيراً مُسنداً.

وإستدل الشهيد في الذكرى على الرية بما رواه العامة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يصلي أحدكم وهو محزّم.

ولكن أومرد عليه: بأن التحزم غير شد القباء، كما أنّ القول بكراهة الحزام تمسكاً بهذا الخبر العامي من باب التسامح في أدلة السنن كما أنّ الخبر هذا المعارض تخبرين من طريق العامة أيضاً تدلان بالنهي عن الصلاة بغير حزام (النهاية: 1: 379) كما في محكي النهاية الأكثرية .

ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شدّ الوسط، وهذا غير شد القباء فلا دليل على كراهة الصلاة في القاء المشدود.

فالكلام في عباقر الفقهاء من حرمة أو كراهة شدّ القباء، فهل يعني شدّ أزراره كما فهمه المشهور، وحينئذٍ ينافي هذا مع كراهة حلّ الأزار كما ورد وأنّه من عمل قوم لوط، إلّا أن يقال أنّ كراهة فتح الازرار إنما يختص بالقميص الواسع الجيب ، أو أن المراد من الشّد هو التحزم، وأياً كان فإنّ ظاهر عبارة المصنف حمل المشدود على شده بالأزار الكثيرة أو بالحزام، ثم قوله بالأزار الكثيرة هل يدل على عدم كراهته لو كان بالقليل، فالمسألة لا تغلو من تأمل.

وذهب صاحب الحدائق رحمه الله إلى أنّ الحكم لا مستند له ولا دليل عليه، فتطويل البحث فيه ممّا لا ثمرة له مهمة.

الخامس عشر: الصلاة محلول الأزار.

أقول: