عطفاً على ما  سبق: في كراهة اللثام للرجل في صلاته والنقاب للمرأة ما دام لم يمنع من القراءة وإلّا حرم ذلك.

ويدل عليه فتوى المشهور وما ورد في النصوص الواردة في الباب فمنها ما دل على الجواز ، وقد ذكرنا بعض الروايات الدالة على الجواز وبقي البعض الآخر، فمنها: ما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق، قال: سألت أبا عبد الله× عن الرّجل يصلّي ويقرأ القرآن وهو متلثم؟ فقال: لا بأس به والخبر وإن كان مطلقاً لمن يقرء القرآن سواء في صلاته أو غيرها، ولكن يدل على الصلاة بطريق أولى فتأمل.

ونحوه غيره، وأمّا الروايات الدّالة على الكراهة فمنها: ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة، قال: سألته عن الرجل يصلّي فيتلوا القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به وغن كشف عن فيه فهو أفضل، فقال: وسألته عن المرأة تصلي متنقبة؟ قال: إن كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وإن أسفرت فهو أفضل.

ومنها: ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له أيصلي الرّجل وهو متلثم؟ وقال أما على وجه الأرض فلا، وأمّا على الدابة فلا بأس.

وقال الفيض في الوافي في بيان الخبر، والفارق بين الراكب والماشي على الأرض أنّ الراكب ربما يتلثم حتى لا يدخل فاه الغبار فلا بأس في ذلك عندئذٍ، وهذا بخلاف من كان على وجه الأرض كالواقف أو الماشي.

فظاهر أخبار الجواز عدم البأس مطلقاً، إلّا أنّ الشيخ الطوسي قدس سره حملها على ما إذا سمع الهمهمة فقيد المطلقات تمتسكاً بصحيحة الحلبي المتقدمة في قوله عليه السلام لما قيل له: هل يقرء الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقل: لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة، فيدل إذا لم يسمع فيحرم ذلك كما أفتى به الأصحاب ومنهم المصنف قدس سره كما هو المختار.

الحادي عشر: الخاتم الذي عليه صورة

أقول: هذا ما أفتى به المشهور، وقال الشيخ في المبسوط: لا تصل في ثوب فيه تماثيل ولا خاتم كذلك، ونحوه في النهاية ونقل عن إبن البراج أنه حرّم الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة.

ثم ظاهر كلام المشهور عدم الفرق في الصورة بين أن يكون صور الحيوان أو غيرها.

وروى الصدوق قدس سره في حديث المناهي في الفقيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم.

وعن عمار بن موسى في الموثق أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك؟ قال لا تجوز الصلاة فيه.

وروى الكليني في الصحيح عن البزنطي عن الرضا عليه السلام: أنه أراه خاتم أبي الحسن عليه السلام وفيه وردة وهلال في أعلاه، وجمعاً بين الأخبار المجوزة والناهية على الكراهة، ولولا روايات الجواز لحمل على الحرمة لدلالة النهي على ذلك.

ومن الأعلام من قال بجواز ذلك وكراهته لو كانت من الصورة من غير ذي روح كالشجرة والوردة، وأمّأ من ذي روح كالحيوان والإنسان فيحرم ذلك، والظاهر من مجموع الأخبار في  المقام كراهة الصورة مطلقاً جمعاً بين الأخيار كما عليه المشهور وهو المختار.

الثاني عشر: إستصحاب الحديد البارز:

أقول: من مكروهات ما يلبسه المصلي الحديد إذا كان بارزاً وظاهر أما لو حمله معه من دون بروز فلا إشكال فيه ويدل على ذلك فتوى المشهور وتمسكاً بالأصل في الجواز وما دل على التحريم من الأخبار فأنها تحمل حينئذٍ على الكراهة.

قال الشيخ في النهاية: ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الإنسان شيء من حديد مُشَهر، مثل السكين والسيف، فإن كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك.

ونقل العلامة الحلي في المختلف عن إبن براج أنه عدّ في جملة ما لا تصّح الصلاة فيه على حال ثوب الإنسان إذا كان فيه سلاح شهير مثل سكين أو سيف، قال: وكذلك إذا كان في مكّة مفتاح حديد إلّا أن يلفه بشيء وإذا كان معه دراهم سود إلّا أن يلُفها بشيء.

وظاهر الأخبار كما قيل تدل على الحرمة، ومنها: ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يصلّي الرجل وفي يده خاتم حديد.

وعن موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّه حلية أهل النار، قال: وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فيحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة إلّا أن يكون قبال عدوٍ فلا بأس به، قال: قلت فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفّه لا يستغني عنه، أو في سراويله مشدوداً، والمفتاح يخشى أن وضعه ضاع أو يكون في وسطه المنطقة من حديد؟ قال: لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة، وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان، ولا بأس بالسيف وكل آلة السّلاح في الحرب، وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شيء من الحديد، فإنّه نجس ممسوخ.

ونحو ذلك ما ورد في موثقة عمار الساباطي بأن لا يصلي الرجل وعليه خاتم حديد لأنه من لباس أهل النار، ونحوها غيرها.

فظاهر هذه الأخبار تدل على عدم الجواز وعلى الحرمة، ولكن الأصحاب في قبالها تمسكوا بأصل الجواز.

قال في المدارك بعد نقل قول الشيخ في النهاية: والمعتمد الكراهة، لنا على الجواز الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا تتقيّد إلّا بدليل، وأمّا ما يدل على الكراهة فتمسكاً بما رواه الشيخ من رواية السكوني وموسى بن اكيل كما مرّ.

وإنّما قال بهذا المبنى بناء على ضعف الأخبار وعند ضعفها سنداً يعتمد على أصل الجواز وتحمل الأخبار الناهية حينئذٍ على الكراهة وللحديث صلة.