يقع الكلام عطفاً على ما سبق: في بيان الضوابط المذكورة لمعرفة الشبهة المحصورة عن غير المحصورة أو بالعكس وقد أشرنا إلى جملة منها، وما ورد فيها من المناقشات، وهذه وجوه أخرى في بيان الضابطة، فقد ذهب المحقق الهمداني قدس سره في الحاشية كما ذكر خلاصة في المصباح، وخلاصة كلامه: من الحق أن يقال في تفسير الشبهة غير المحصورة، هي ما لم تكن أطرافها محدودة ومضبوطة غير قابل للزيادة والنقيصة والمحصورة بخلافها، فلو علم بحرمة شاة من قطيع غنم محدودة ومعينّة، بنحو لو سُئل عن الحرام لجعله مردّداً بين أحاد تلك القطيع، فيقول هذا أو ذاك إلى آخرها، فكانت الشبهة عندئذٍ محصورة مطلقاً سواء قلت أطراف الشبهة أم كثرت، وهذا بخلاف ما لو علم بأن ما يرعاه هذا الرّاعي بعضها موطوءة، ولكن العالم ببعض الشياه موطوءة لم يكن له إحاطة بجميع ما يرعاه ممّا هو من أطراف الشبهةـ فلن يكن جعل الحرام حينئذٍ مردداً بين أحاد معينة، بل لو سُئل عن حال كل فرد لأجاب بأن هذا إمّا حرام أوالحرام غيره ممّا يرعاه الراعي على سبيل الإجمال من دون أن يكون له إحاطة بأطراف الشبهة، فلا يجب الإجتناب عن كل ما يحط به من الأطراف، وهذا معنى إنحلال العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة.

وأورد عليه: أن عنوان المحصور وغير المحصور إنماهو بلحاظ قلّة الأطراف وكثرتها، ولبس بلحاظ الإحاطة والعلم بالأطراف وعدمه، أو الإبتلاء وعدمه، وهذا ما ذهب إليه الأصحاب في تفسير الشبهة المحصورة عن غيرها، فجعل الملاك والميزان في معرفة المحصور هو الإحاطة والعلم بتمام الأطراف إجمالاً، فإنّه من المعنى المصطلح الجديد، وهو غير ما عليه الأصاحب فتأمل.

وذهب المحقق النائيني قدس سره: من (أن ضابط الشبهة غير المحصورة هو أن تبلغ أطراف الشبهة حدّاً لا يمكن عادة جمعها في الإستعمال من أكل أو شُرب أو لُبسٍ أو نحو ذلك، وهذا بطبيعة الحال يختلف بحسب إختلاف المعلوم بالإجمال.

بيان ذلك: فإنّه تارة يعلم بنجاسة حبّة من الحنطة في ضمن حقّة منها، فلا يكون هذا من الشبهة غير المحصورة وإن كان واحد بالألف، لإمكان إستعمال الحُقة من الحنطة بطحنٍ وخبزٍ وأكل. وأخرى يعلم بنجاسة إناء من أواني البلد، فهذا من الشبهة غير المحصورة وإن كانت أواني البلد دون الألف، وإنّما من الشبهة غير المحصورة لعدم التمكن العادي والعرفي من جمع الأواني في الإستعمال، وإن كان المكلّف متمكناً من آحادها.وعليه ليس العبرة في المحصورة وغيرها بقلة العدد وكثرته وحسب، إذ رب عددٍ كثير تكون من الشبهة المحصورة كالحقة من الحنطة عند إستعمالها^([1]).

فيعتبر في الشبهة غير المحصورة أمران: الأوّل: كثرة الأطراف، والثاني: عدم التمكّن عادة من جمعها في الإستعمال لكثرة الأطراف لا لأمر آخر كالخروج عن محل الإبتلاء^([2]).

وأورد عليه: من أن عدم التمكن من إرتكاب جميع الأطراف في الإستعمال ولا يلازم كون الشبهة غير محصورة، فربما يتحقق ذلك مع قلّة الأطراف مع كون الشبهة محصورة، كما إذا علمنا بحرمة الجلوس في إحدى الغرفتين في وقت معين، فإن المكلف لا يتمكن من المخالفة القطعية بالجلوس فيهما في ذلك الوقت^([3]).

وأجيب عنه: بأنه قد صرّح من كون عدم التمكنإنما يستند إلى كثرة الأطراف، لا إلى أمر آخر، ومن المعلوم أن عدم القدرة على إرتكاب جميع الأطراف في مثال الجلوس ونحوه إنما يستند إلى أمر آخر غير كثرة الأطراف فقد سمى مع الفارق.

وأورد أيضاً على المحقق النائيني قدس سره، بأن عدم القدرة على المخالفة القطعية لا ينبسط في نفسه فكيف يكون ملاكاً، وإنه كما يقال فاقداً  لشيء لا يعطيه، وإنّما غير منضبط في نفسه إذ أنه يختلف بإختلاف المعلوم بالإجمال، وبإختلاف الأشخاص وبإختلاف قلّة الزمان وكثرته، وغير ذلك من الخصوصيات، فليس له ضابط في نفسه، فكيف يكون ميزاناً لكون الشبهة غير محصورة.

وأجيب عنه: بعدم القول بانحلالية الأحكام، يكون عدم القدرة على المخالفة شخصياً وليس نوعياً، فهو كالعسر والحرج ويكون كلّ مكليف يعلم قدرته على المخالفة وعدمها، فلا يلزم أن يكون ضابط كلّي للشبهة، فلا يلزم أن يكون ضابط كلّي للشبهة غير المحصورة بالنسبة إلى جميع المكلفين على إختلاف شؤونهم.

وأورد على المحقق أيضاً: إنّ عدم التمكن من المخالفة القطعية إن أريد به عدم القدرة عليها دفعة فكثير من الشبهات المحصورة كذلك، وإن أريد به عدم التمكن منها ولو تدريجاً، فقلما تكون شبهة غير محصورة إذ كثير من الشبهات التي تعّد غير محصورة عندهم يتمكن المكلف من إرتكاب جميع أطرافها في ضمن ستة أو أكثر أو أقل.

هذا خلاصة ما يقال في هذا الباب وعلم من جميع ما ذكر عدم سلامة شيء من الضوابط المذكورة للشبهة غير المحصورة من الإشكال فتأمل.