عطفاً على ما سبق في بيان مقولة الشيخ الأنصاري قدس سره في المشكوك الخروج عن محل الإبتلاء، فإنّه يقال بالإحتياط من باب إطلاق أدلّة المحرّمات، فإن دليل حرمة شرب الخمر مثلاً مطلق يشمل ماذا كان مبتلىبه أو غير مبتلى به، وأنه قد قيّد الإطلاق فيما إذا علم بخروجه من مورد الإبتلاء فلا يجب الإجتناب عنه بدليل عقلي، لإستهجان النهي عما هو خارج عن محل الإبتلاء بحسب النظر العرفي والعقلائي، فيكون من المجمل المفهومي، لأنّ القدرة العادية الشرعيّة والتي يعبّر عنها بإمكان الإبتلاء ودخوله في محل الإبتلاء لها مراتب، ممّا يوجب إختلاف حسن الخطاب وإستهجانه بحسب إختلاف مراتبها، فإنّ الخمر الموجود في الظب الشمالي مثلاً فما يقطع بخروجه عن محل الإبتلاء وعدم التمكن العادي منه، مع أنّ الخمر الموجود في البلد مما يقطع بإمكان الإبتلاء به وحصول القدرة عليه، فيستهجن النهي عن الأول دون الثاني، ويبقى الكلام في الخمر الذي يوجد في البلاد المتوسطة بين القريبة والنائيّة، فقد يحصل الشك في القدرة العادية عليه وإمكان الإبتلاء به.

ولما كان القدر المتيقن من تقيد المطلقات هو ما علم خروجه عن محل الإبتلاء، فإنّه في صورة الشك يشك في إستهجان الخطاب، وحينئذٍ يصحّ التّمسك بإطلاق الأدلة الدالة على الحرمة، كما في مبحث العام والخاص، من أن التخصيص بالمحمل المفهومي المردّد بين الأقل والأكثر لا يمنع عن التمسك بالعام فيما عدا القدر المتيقن من التخصيص وهو الأقل، وفي المقّدرات البينيّة يجوز التمسك بالعام في الشبهات الموضوعية فضلاً عن الشبهات المفهوميّة إذا كان الترديد بين الأقل والأكثر، فالقدرة العادية في المقام المعبّر عنها بإمكان الإبتلاء وعدمه لها مراتب، وأنها توجب إختلاف حسن الخطاب والتكليف بحسب إختلاف مراتب القدرة، وربما العرف يشك في حصول القدرة في بعض المراتب كالشك في الخمر بين البلدين القريب والبعيد وهذا يستلزمه الشك في حسن الخطاب وإستهجانه، وفي حسن التكليف وعدمه.

وإذا كان الإجمال في القيد والتخصيص من حيث المفهوم من جهة المخصص أو المقيّد العقلي فإنه لا يسري إجمالها إلى العام أو المطلق، وفي هذا الحال لا إشكال في التمسك بإطلاق أدلة المحرمات الواردة في الكتاب والسنةفي كل ما يشك في حصول القدرة العادية وعدمها، ونتيجة ذلك أنه يكون حال ما شك في خروجه عن مورد الإبتلاء حال ما علم بدخوله في مورد إلّا بقدر فيجب الإجتناب في كليهما من الطرف الآخر، فيتنجز العلم الإجمالي ولا يوجب الشك في خروج طرف من مورد الإبتلاء إنحلال العلم الإجمالي وعدم فعليته في الطرف الآخر.

فيتمسك بالعام في المخصصات اللبنية والسّر في ذلك أن الشك في المخصصات العقليّة كالشك في الثقدرة العادية ليس في أصل التخصيص كما كان في المخصصات اللفظيّة، بل الشك في إنطباق عنوان المخصص على الشيء الخارجي وحينئذٍ لا يسري إجمال المخصص اللّبي إلى العام، بل يصّح التمسّك به، فما يقال من أنه لا يتمسك بالعام في الشبهات الموضوعية عند إجمالها فهذا في التخصيص اللفظي دون التخصيص اللبي والعقلي.

هذا خلاصة ما أفاده شيخنا الأعظم قدس سره، ثم اشكل على نفسه: بأن المخصصات اللُبّية إليّ تحف بالكلام كما في المقام يسرى إجمالها إلى العام، وتكون حكماً كالمخصصات اللفظيّة المتصلة المجملة.

وبعبارة أخرى: المخصص العقلي لمّا كان ضرورياً كما في المقام حيث يستهجن عقلاً النهي عما لا يمكن الإبتلاء، وأنّه لا يُقدم عليه مادةً، فإنّ حكمه حينئذٍ حكم المخصص المجمل المتصل في سراية إجماله إلى العام فلا يتمسك بالعام عندئذٍ ويسقط عن كونه قابلاً للتمسك به عند الشك.