عطفاً على ما سبق: في حكم لباس الشهرة وما يلحق به من لبس الرجال ما يختص بالنساء وبالعكس، أمّا لباس الشهرة فقد مرّ الكلام فيه وأما لبس الرجال ما يختص بالنساء، وبالعكس فذهب المصنف إلى حرمته على الأحوط، كما أن الأحوط إستحباباً ترك الصلاة فيها وإن كان الأقوى عدم البطلان.

أمّا حرمة اللّبس للرجال زيّ النساء المختص بهن، فإن كان المقصود منه الدخول في زيهنّ أو غلبة التأنيث عليه ويسمى بالمخنث، فهذا محرم لكونه يصدق عليه هتك الحرمة والذلة وكذلك يصدق عليه ترويج الفساد والفاحشة والترغيب إليها في المجتمع الإسلامي، وأمّا إذا كان لبسه في داره وفي مدة قصيرة من دون أن يطلع عليه أحد أو مع إطلاع الزوجة وليس ذلك لغرض عقلاني كما في الأفلام السينمائية ، فإنّه لا دليل على حرمته، وعدم الدليل دليل العدم كما لو لبس النّعال المختص بالنساء، وكذا الحال في لبس المرأة في بيتها لباس زوجها أو ما يختص به. فإذا لبس كلّ واحد منهما ما تختص بالآخر، فإنّه تارة بقصد التشبه به أو التأنيث في الرجال أو الرجولة في المرأة وفهذا ممّا يدخل في الحرمة على الأشهر والأظهر، وربما يحتمل فيه الإجماع كما في الرياض، وتمسكاً بما ورد في الكافي بإسناده عن عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: (لعن الله.. المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال...) ^([1])، هذا إذا قيل بإطلاق الخبر وعدم إنصرافه إلى المعنى المذكور من التأنيث والذكوريّة.

وقيل أن ظاهر الخبر أنه يتعرض إلى التشبه الأنوثي والذّكروري لا التشبه في الملابس وما يختص بكل واحد منهما، ويريد ذلك ما ورد في العلل بإسناده عن زيد بن علي عن علي عليه السلام: أنه رأى رجلاً به تأنيث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عليه السلام له: اُخرج من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا لعنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال علي عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال^([2]).

إلّا أنه أورد على الإستدلال بالحديث الأول بأن الإستظهار بكون الحديث يتعرض للتأنيث والرجولية فغير ظاهر وما ورد عن العلل على فرض حجيته، فإنّه كذلك غير ظاهر من كونه مفسّراً للحديث الأول.

نعم لا يبعد القول بأنه يكره أن يكون ثوب الرجل شبيهاً بثوب المرأة أو بالعكس، كما يظهر ذلك من موثقة سماعة بن مهران المروية في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في الرّجل يجرّ ثوبه، قال: إني لأكره أن يتشبه بالنساء^([3]).

ويظهر من الخبر أنه في عصر الأئمة كانت النساء يلبس الثوب الطويل الذي يجرّ من خلقهن، فنهى الإمام عليه السلام من ذلك إلّا لفظ الكراهة في الخبر وإن لم يدَلّ على الكراهة المصطلحة والنهي التزيهي، إلّا أنّه كذلك لا تدل على خصوص الحرمة، وحينئذٍ لا يثبت بالخبر إلّا الكراهة المصطلحة من مرجوحية الفعل مع جواز إتيانه، فإنّه كلّ مكروه جائر كما هو المختار.

فرع: وأمّا بطلان الصلاة بعد القول بحرمة تشبه الرجال بالنساء وكذلك العكس فيما يختص بكل واحد منهما، وكذلك لباس الشهرة، فهل يوجب بطلان الصلاة، أي كما يحرم اللبس فهل يكون مانعاً عن صحة الصلاة كذلك؟ كما كان في الثوب المغصوب.

إختلف الأعلام في ذلك: ذهب صاحب كشف الغطاء قدس سره إلى البطلان تمسكاً بالملازمة بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي وقد مرّ الكلام أن التحقيق خلاف ذلك، فإنّه لكل من التكليفي والوضعي حكمه ودليله المستقل فلا ملازمة بين الأمرين، فإن مجرد النهي عن أمر خارج عن ماهية الصلاة ولا تركب إتحادي بينهما لا يوجب فساد الصلاة كالنظر إلى الأجنبية بشهوة في صلاته، فإنّ÷ وإن فعل محرماً إلّا أنه لا يوجب بطلان صلاته لعدم التركب الإتحادي بل هو من التركب الإنضمامي كما مرّ تكراراً ومراراً، فليس كالصلاة في المكان الغصبي مما تكون حركات الصلاة كالركوع والسجود ومتحدة مع الغصب وعليه لو كان معه الساتر المباح فإنّه لا تبطل الصلاة وإن كان لابساً لباس الشهرة أو ما يختص بالنّساء، وإن كان الساتر هو نفسه لباس الشهرة أو لباس التشبيه، فإن قيل بسراية الحرمة من الشرط إلى المشروط، فإنّه يوجب بطلان الصلاة عندئذٍ فإنّه من النهي المتعلق بنفس العبادة فيوجب فسادها، وأمّا لو قيل بعدم السراية سراية الحرمة من الشرط إلى المشروط فلا يوجب البطلان وإن فعل محرّماً، كالنظر إلى الأجنبية بريته في الصلاة.

فمجرد حرمة لبس لباس الشهرة أو المرأة لا يوجب مانعيّته عن الصلاة، ولا يقاس بالثوب المغصوب للفرق بينهما، فإنّ الثاني من التركب الإتحادي مما يوجب النهي في العبادة الموجب لفسادها، بخلاف الأوّل فإنه من التركب الإنضمامي كما هو المختار.