عطفاً على ما سبق فيما لو إنحصر ثوب المصلّي في النجس فقد إختلف الاعلام في صحة الصلاة وبطلانها، وقد تقدم الكلام في  ذلك بالتفصيل في أحكام النجاسات، فلو إنحصر ساتر المصلّي بالنجس، فإنّه يجوز اصلاة فيه كما ذهب إليه المشهور للنص والإجماع حتى لو لم يضطر إلى لبسه، وتمكن من الصلاة عرياناً، وربما يقال بتعين الإتيان بالصلاة بالثوب النّجس، ولا يجوز عرياناً، والمصنف  ذهب إلى أنّ الأقوى  جواز الصلاة فيه، والأحوط إستحباباً تكرار الصلاة تارة بالثوب النجس وأخرى عرياناً، ولا بأس بهذا الإحتياط.

مسألة: إذا إضطر  إلى لبس أحد الممنوعات من النجس، وغير المأكول والحرير والذهب والميتة والمغصوب قدم النجس على الجميع، ثم غير المأكول، ثم الذهب والحرير، ويتخيّر بينهما، ثم الميتة، فيتأخر المغصوب عن الجميع.

أقول: إنّ الصلاة  تبطل فيما لو صلّى إختياراً في ساتر ممنوع لبسه كما هو واضح، وأمّا مع إنحصار الثوب في أحد الممنوعات وكان مضطراً أو غير مضطر وتمكن من الصلاة عارياً فقد مرّ الكلام فيه، وأمّا لو إضطر إلى لبس أحد الممنوعات (النّجس وغير المأكول والحرير والذهب والميتة والمغصوب) وكان مضطراً ولم يتمكّن  من أن يصلّي عارياً فأيّها يقدم من السّتة.

ذهب  المصنف كما هو المشهور بل المتسالم عليه أن يقدم النجس فيصلي الثوب النّجس، فإنّه مع الإنحصار يجوز، فإنّه بطريق أولى مع عدمه يكون جائزاً أو بعبارة أخرى: جواز الصلاة في النجس عند الإنحصار وإن لم يكن مضطراً وكان متمكناً من الصلاة عارياً يدل على أهو نية النجاسة من غيرها من الموانع التي لا تجوز الصلاة فيها مع الإنحصار والتمكن من الصلاة عارياً.

وإن قيل بوجوب الصلاة عارياً في مثل الثوب النّجس، فإنّه يشكل حينئذٍ تقديم النجس على غيره من الممنوعات لعدم ما يوجب الأهمية لا قطعاً ولا إحتمالاً، وإن المسألة تكون حينئذٍ من باب التزاحم، ويقدّم ما كان الأهم.

إلّا أنّه قيل حتى في هذا الفرض يقدم الصلاة مع النجس وعللّوا ذلك كما في الذكرى والجواهر، بأنّ النجاسة مانع عرضي بخلاف غير المأكول لحمه فإنّ المانعية فيه ذاتياً.

وأورد عليه: أولاً: إنّ هذاغ المقدار من الفرق لا يوجب تقديم النجس على غيره، فتأمل.

وثانياً: إنّه ينقض ويعارض بصحة الصلاة في غير المأكول مع النسيان، بخلاف الصلاة في النجس لو نسى ذلك فلا تصحّ صلاته.

ثم يقدّم غير المأكول على الباقي، والوجه في ذلك: إنّ الممنوعات تارة محرمة تكليفاً ووضعاً كالحرير والذهب للرجال كمامرّ وأخرى محرم وضعاً لا تكليفاً، ومن الواضح إذا دار الأمر بين المحرم التكليفي والوضعي وبين المحرم الوضعي، فإنّه يقدم الثاني بوجود حرمتين، ولما كان غير مأكول اللحم يجوز لبسه تكليفاً، فإنّه يقدم على مثل الحرير والذهب.

وهذا إنما يتم لو قيل بحرمة الإنتفاع من الميتة تكليفاً، وأما على القول بجواز الإنقطاع وعدم حرمة لبس الميتة تكليفاً، فإنّه لا وجه لتأخيرها عن غير المأكول، وإلّا إذا قيل بورود التأكيد في المنع عن لبس الميتة في المانعية مما يوجب إحتمال الأهمية في المانعية في مقام التزاحم، ويكفي ذلك في تقديم غير المأكول عليها.

وربما نقول مع عدم حرمة التكليفية فيها، ولم يكن للمصلي ثوب متنجس، فإنّه يتخير بينهما مع الإضطرار إلى لبس الساتر.

ويتفرع على ذلك: لو دار الأمر بين ما لا يؤكل لحمه وبين الميتة مما لا يؤكل لحمه، فإنّه يقدم الأول، والوجه فيه: لأنّ له المانعية من جهة واحدة، بخلاف الميتة مما لا يؤكل فإنها مانعة من جهتين: الميتة وما لا يؤكل وفي باب التزاحم يقوم ما فيه الجهة الواحدة لكونها أهون ممّا فيه الجهتين من المانعية كما هو واضح.

ثم أنّ لم يكن متنجس ولا ما لا يؤكل لحمه، ودار الأمر بين الحرير والذهب والميتة والمغصوب ، فإنّه يقدم الحرير والذهب لأن كل منهما محرم تكليفاً ووضعاً بمرتبة وجهة واحدة.

ولكن ربّما يقال بتقديم الحرير على الذهب من جهة الفرق بين عرضية المانعيّة وذاتيّتها، حيث أن الحرير إنما كان مانعاً من جهة الإبهام عليه والمحوضية وهي جهة عرضيّة، فإنّ المقدار الخاص من الحرير المبهم لو فرض خلطه بالقطن لم يكن مانعاً من الصلاة وبخلاف الذهب فإنّ مانعيته ذاتيّة، فيقدم الحرير عليه.

وإن لم يكن الحرير والذهب، ودار الأمر بين الميتة والمغصوب فإنّه يقدم الميتة، ولكن فيما لو كانت الميتة فما لا يؤكل لحمه، فإنّه يقدم عليه كما مر، وإلّا فإنّه يتخير بين ما لا يؤكل لحمه وبين الميتة لكون مانعيتهما من جهة واحدة.

وأمّا المغصوب فإنّه يتأخر عن الجميع والوجه فيه واضح، فإنّه كما يحرم تكليفاً ووضعاً، فإنّه من حقوق الناس أيضاً ويحرم التصرف فيه فإنّه من الظلم والتعدي عدواناً على الغير، وهذا بخلاف لبس الحرير والذهب.

وقيل: لا كلية في تقديم حقوق الناس على حق الله لو دار الأمر بينهما، ولكن أجيب عنه، وإن كان ذلك إلا أن المقام ممّا يقدم حق الناس على حق الله لكثرة التأكيد على حرمة الغصب وأنّ الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال والله العالم بحقائق الحال، فالنجس يقدم على الجميع كما أنّ الغصب يتأخر عن الجميع كما هو المختار.