عطفاً على ما سبق: في بيان حرمة لبس الذهب للرّجال فقد ذهب أصحابنا إلى حرمة ذلك تمسكاً بالأخبار المروية في هذا الباب وبالإجماع بل قيل من ضرورة المذهب.

الثانية: صحيحة أو حسنة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله×: وفي (معاني الأخبار) عن حمزة بن محمد العلوي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلّبي عن أبي عبد الله×: قال: قال علي×: نهاني رسول الله’ ولا أقول لكم نهاكم ـ عن التختم بالذهب...

وجه الإستدلال: قوله× (ولا أقول لكم) يكشف بأن النهى أن كان مختصاً به× دون غيره فيكون حينئذٍ عدم لبس خاتم الذهب من مختصات وأمّا غيره فيجوز لهم ذلك. 

وأجيب عنه:

أن غاية ما يدل عليه الخبر أن النهي إنما كان لأمير المؤمنين عليه السلام وانه ليس بغيره آنذاك وهذا لا يدل على الجواز مطلقاً بعد ذلك لإحتمال أن يكون التحريم قد وقع في العصر المتأخر لتدريجية الأحكام والتبليغ لعدم مصلحة في إظهار ذلك كما مر فلعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبين حرمة لبس الذهب على الرجال وقوض بيان ذلك لخلفاءه وأوصياءه الأئمة المعصومين^، فلا تنافي ولا تعارض بين هذه الصحيحة وبين الطائفة الأول من الأخبار الدالة على حرمة لبس الذهب للرجال مطلقاً.

فالمختار حرمة لبس الذهب للرجال.

تنبيه: ربما يرّد المناقشة في دلالة الموثقة من جهتين:

الأولى: قد ورد فيها تعليل لا يتناسب مع الحكم بالحرمة بل تدل على الكراهة تكليفاً وفي الصلاة على قلّة الثواب، فإنّه قال عليه السلام: (لأنه من لباس أهل الجنة) فهذا يدلّ على أنه من لباس المتقين والمؤمنين والسعداء، فكان الأنسب أن يلبسه في الدنيا كذلك تشبيهاً بأهل الجنة، ولا سيما في مثل الصلاة التي هي معراج المؤمنين وقربان كلّ تقي، فكان الأولى أن ينصف لباسه في حال عروجه بلباس المقربين وأهل الجنة، فكيف يجتمع التعليل مع التحريم:

وأجيب عنه:

أولاً: أنّ التعليل الوارد لا يمنع الأخذ بظهور النهي في التحريم، فإنّ المراد منه ما كان لباس الذهب من مختصات أهل الجنة فإنّه حرّم على الرجال لبسه في دار الدنيا كالخمر فإنّه يحرم شربه في الدنيا إلّا أن في الجنة نهر من الخمر ولكن ربما يقال بالفرق بين الخمرين، فالأولى تنظير ذلك بأواني الذهب، فإنه يحرم إستعمالها للشرب في الدنيا ومن فإنه محروم من الشرب فيها في الآخرة كما يظهر هذا المعنى من رواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه السلام.

محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن إبن فضّال عن غالب بن عثمان عن روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: لا تختم بالذهب فإنه زينتك في الآخرة([2]).

وثانياً: ليس المراد من لبس أهل الجنة الذهب تكويناً فإختيارهم ذلك، بل المقصود اللبس التشريعي الذي خصّه الله بأهل الجنة وتحريمه على الرجال في الدنيا، فجعل حليّة ذلك تشريعاً بأهل الجنة في الآخرة، فلا يجوز حينئذٍ مخالفة المولى في هذا التشريع فتأمل.

الثانية: أنه ورد في صدر الموثقة النهي عن لبس الحديد في قوله: (في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد قال: لا ، ولا يتختم به الرّجل فإنه من لباس أهل النّار) ([3]). 

وهذا من النهي التنزيهي مما يدل على الكراهة، وحينئذٍ بإعتبار وحدة السياق يحمل النهي عن الذهب على الكراهة أيضاً.

وأجيب عنه: أنّ النهي بظاهره يدل على التحريم ما لم يقترن بالترخيص في الفعل أو الترك، أما بالنسبة إلى لبس الحديد فثبت الترخيص بالأخبار الواردة في الباب فيحمل النهي على الكراهة حينئذٍ جمعاً بين الأخبار، وهذا لم يثبت للذهب فيبقى على تحريمه، وأما وحدة السياق فهذا مما لا وجه له في الأخبار المروية إذ بحسب التتبع نجد قد جمع المكروهات والمحرمات في خبر واحد كما جمع الواجبات والمستحبات كذلك.

------------

([1]).الوسائل: باب 30  من أبواب لباس المصلي الحديث الثالث.

([2]).الوسائل: باب 30  من أبواب لباس المصلي الأول.

([3]).الوسائل: باب 32  من أبواب لباس المصلي الحديث الخامس.