عصمة القرآن الكريم

 

لا شکّ أنّ القرآن الكريم معصوم من كلّ شين وخطأ وانحراف وتحريف وبطلان ، فقد حفظه الله من الأزل وإلى يوم القيامة  :

(نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[1] .

 

وإنّه لا يأتيه الباطل  :

(وَإنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ41 لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَـيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[2] .

 

فلا يتطرّق إليه الباطل بأيّ شكل من الأشكال ، فليس فيه أيّ خلل أو نقص أو عيب ، وهذا معنى العصمة .

والعترة الطاهرة كذلک قد عصمت من الأدناس والأرجاس ، وإنّهم الحقّ الذي لا يأتيه الباطل مطلقآ، فهم عدل القرآن ، ولا يفترقون عنه ، فلو تطرّق الباطل إليهم لافترقوا عن الكتاب ، وحيث إنّ الافتراق باطل لحديث الثقلين (لن يفترقا) فكذلک لا يتطرّق الباطل إليهم ، وهذا معنى العصمة ، فإنّ المعاصي صغيرها وكبيرها والاشتباه والخطأ والسهو والنسيان والشکّ كلّها من مصاديق الباطل ، فلمّا لم يتطرّق الباطل إلى القرآن فكذلک أهل البيت  :، وآية التطهير لهي خير
شاهد على أعلى درجات العصمة  :

(إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرآ)[3] .

 

والرجس أعمّ من المادّي والمعنوي لقوله  :

(وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ )[4] .

 

ولم يقل أحد أنّ الذي لا يعقل نجس ، بل المراد الخبث المعنوي ، فأهل البيت  : مطهّرون من كلّ عيب ورجس .

هذا ولم يدّعِ العصمة لأحد من بني هاشم أو أزواج النبيّ غيرهم ، بل قرع الله بعض أزواج النبيّ بقوله تعالى  :

(مَنْ يَأتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّـنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ )[5] .

 

فالآية تحذّر من وقوع المعصية لزوجات النبيّ، فكيف يكون من المعصومين .

فالعصمة إنّما تنحصر بأمير المؤمنين عليّ  7 وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، والأئمة التسع من ولد الإمام الحسين  :، بنصّ من الله ورسوله في الأخبار المتواترة عند الفريقين ، كأحاديث الغدير والمنزلة والسفينة والدار والطائر المشوي وحديث جابر وابن مسعود وغير ذلک .

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفّى سنة 655 في شرح الخطبة (85)
من نهج البلاغة حيث يقول أمير المؤمنين عليّ  7 في التمسّک بالأئمة

الأطهار  : من آل محمّد  9: «بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم ، وهم أزمّة الحقّ وأعلام الدين وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردّوهم ورود الهيم العطاش ...».

فقال : «فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن »، تحته سرّ عظيم وذلک أنّه أمر المكلّفين بأن يجروا العترة في إجلالها وإعظامها والانقياد لها، والطاعة لأوامرها مجرى القرآن .

قال : فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأنّ العترة معصومة ، فما قول أصحابكم في ذلک ؟ قلت : نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية : على أنّ عليّآ معصوم ، وأدلّة النصوص قد دلّت على عصمته ، وأنّ ذلک أمر اختصّ هو به دون غيره من الصحابة .

1 ـ ن ]عيون أخبار الرضا  7 [[6]  ماجيلويه وأحمد بن عليّ بن إبراهيم

وابن تاتانة جميعآ عن عليّ عن أبيه عن محمّد بن علي التميمي قال حدّثني سيّدي عليّ بن موسى الرضا  7 عن آبائه عن عليّ عن النبيّ  9 أنّه قال من سرّه أن ينظر إلى القضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله عزّ وجلّ بيده ويكون متمسّكآ به فليتولّ عليآ والأئمة من ولده فإنّهم خيرة الله عزّ وجلّ وصفوته وهم المعصومون من كلّ ذنب وخطيئة[7] .

 

2 ـ كنز الفوائد للكراجكي ، حدّثني القاضي اُسيد بن إبراهيم السلمي عن
عمر بن علي العتكي عن أحمد بن محمّد بن صفوة عن الحسن بن علي العلوي عن الحسن بن حمزة النوفلي عن عمّه عن أبيه عن جدّه عن الحسن بن عليّ بن فاطمة ابنة رسول الله عنه  9 قال : أخبرني جبرئيل عن كاتبي علي أنّهما لم يكتبا على عليّ ذنبآ مذ صحباه .

3 ـ وحدّثني السلمي عن العتكي عن سعيد بن محمّد الحضرمي عن الحسن ابن محمّد بن عبد الرحمن الصدفي عن محمّد بن عبد الرحمن عن أحمد بن إبراهيم العوفي عن أحمد بن أبي الحكم البراجمي عن شريک بن عبد الله عن أبي الوفاء عن محمّد بن عمّار بن ياسر عن أبيه قال : سمعت النبيّ  9 يقول : إنّ حافظي علي ليفخران على سائر الحفظة بكونهما مع عليّ  7 وذلک أنّهما لم يصعدا إلى الله عزّ وجلّ بشيء منه فيسخطه[8] .

 

4 ـ ک ، ]إكمال الدين [ ن ، ]عيون أخبار الرضا  7 [ الورّاق عن سعد عن النهدي عن ابن علوان عن عمرو بن خالد عن ابن طريف عن ابن نباتة عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله  9 يقول : أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون[9] .

 

5 ـ تفسير البرهان عن علي بن الحسين بن محمّد قال : حدّثنا هارون بن موسى التلعكبري قال : حدّثنا عيسى بن موسى الهاشمي بسرّ من رأى قال  : حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عن علي  : قال : دخلت على رسول الله  9 في بيت اُمّ سلمة وقد نزلت عليه هذه الآية : (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرآ)[10]  فقال رسول الله  9 :

 

يا عليّ هذه الآية فيک وفي سبطيّ والأئمة من ولدک ، فقلت : يا رسول الله، وكم الأئمة بعدک ؟ قال : أنت يا عليّ ثمّ ابناک الحسن والحسين وبعد الحسين عليّ ابنه وبعد عليّ محمّد ابنه ، وبعد محمّد جعفر ابنه ، وبعد جعفر موسى ابنه ، وبعد موسى عليّ ابنه ، وبعد عليّ محمّد ابنه ، وبعد محمّد عليّ ابنه ، وبعد عليّ الحسن ابنه ، والحجّة من ولد الحسين  : وهكذا أسماؤهم مكتوبة على ساق العرش ، فسألت الله تعالى عن ذلک فقال : يا محمّد هذه الأئمة بعدک مطهّرون معصومون وأعداءهم ملعونون[11] .

 

6 ـ وعنه قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني سعد بن عبد الله عن الحسن بن الموسى الخشّاب عن عليّ بن حساب الواسطي عن عمّه عبد الرحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله  7: ما عنى الله عزّ وجلّ بقوله : (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرآ)[12] ؟ قال : نزلت في النبيّ وأمير

المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين ، فلمّا قبض الله عزّ وجلّ نبيّه  9 كان أمير المؤمنين  7 إمامآ ثمّ الحسن  7 ثمّ الحسين  7 ثمّ وقع تأويل هذه الآية : (وَاُوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)[13]  وكان عليّ بن الحسين  7 إمامآ ثمّ جرت في الأئمة من ولد

الأوصياء  : فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عزّ وجلّ .

7 ـ وعنه عن عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدّب وجعفر بن محمّد بن

مسرور رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريّان بن الصلت عن الرضا  7 في حديث المأمون والعلماء وسؤالهم الرضا  7 فكان فيما قال  7: فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم . فقال المأمون : مَن العترة الطاهرة ؟ فقال الرضا  7: الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال عزّ وجلّ : (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرآ)، وهم الذين قال رسول الله  9: إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، يا أيّها الناس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم .

هذا وما ذكرناه إنّما هو غيض من فيض ، ومقصودنا الإشارة والخلاصة وأن تكون الخطوة الاُولى لألف ميل لمن أراد التحقيق والتنقيب ، والله المستعان .