من حقيقة الصلاة بنظرة فاطميّة [1]

إنّ الصلاة لله سبحانه هي دعوة الأنبياء جميعاً من آدم إلى الخاتم  :، فهي قربان كلّ تقي ، ومعراج كل مؤمن ، وانها عمود الدين (ان الدين عند الله الاسلام ) إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن رُدّت رُدّ ما سواها، فهي الميزان والفارق بين المؤمن والكافر، فما أعظم منزلتها في عالمي التكوين والتشريع .

ولابد للمؤمن أن يؤدي صلاته كما هو المطلوب لتقع صحيحة تسقط التكليف ، ولتكون مقبولة عند الله سبحانه ، وفرق في شرائط الصلاة وأجزائها بين الصحة والقبول ، فتارة من باب (شرط الصحة ) فان يأتي بها صحيحاً فتقع الصلاة صحيحة ، ويسقط التكليف بها في مقام الامتثال وعالم الاثبات ، كالوضوء للصلاة ، (فلا صلاة إلّا بطهور) فمن صلّى من دون طهارة كالوضوء فصلاته باطلة ، وأُخرى (شرط الكمال ) كما يقال : (لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد) فمن صلّى في بيته وإن كانت صلاته صحيحة تسقط التكليف فلا
يعيدها مرة اخرى ، إلّا انها لم تكن بكمالها وجمالها وروحانيتها المتعالية ، فلم تكن مقبولة بذلک القبول كما في قوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقيüنَ )[2]  فقبول

الصلاة من المتقين تكون سبباً في عروجهم الى ساحة قدسه سبحانه ، قاب قوسين أو أدنى من العلي الأعلى ، ويشاهدون بقلوبهم أنوار الله وجماله وآياته الكبرى ، من خلاله يلهمون بعلم الهامي في كشف الحقائق ، ومعرفة الأشياء كما هي ، وتتجلى فيهم أسماء الله الحسنى ، وتنعكس في مرآة عقولهم ومرايا قلوبهم صفات الله العليا فيناجيهم ربّهم في شرّهم ويكلمهم في ذات عقولهم ، وتكون صلاتهم شغلهم ، وشغلهم صلاتهم ، بكمال الانقطاع إليه عزوجل ، ويُنار أبصار قلوبهم بضياء نظرها إليه ، حتى تخرق أبصار القلوب حُجب النور، فتصل الى معدن العظمة ، وتصير أرواحهم معلّقة بعز قُدسه ، فيناديهم ربهم في سرّهم ، فيصعقون لجلاله وسبحات وجهه ، وسقاهم ربهم شراباً طهورآ.

جاء في المناجاة الشعبانية للأئمة الأطهار :: «اِلهىü هَبْ لىü كَمالَ الإِنْقِطاعِ اِلَيْکَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِيآءِ نَظَرِها اِلَيْکَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلوُبِ حُجُبَ النُّورِ، فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيüرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِکَ، اِلـهىü وَاجْعَلْنىü مِمَّنْ

نادَيْتَهُ فَاَجابَکَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِکَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَکَ جَهْراً»[3] .

فلا، تترک الصلاة بأي حال من الأحوال حتى حين الغرق ، فانه يكبر بنية صلاته ، وإن كان بقلبه ، فيغرق ويخرج من الدنيا مقيماً لصلاته ، وما أكثر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تنص على وجوب اقامة الصلاة وحفظ حدودها التي بلغت أربعة آلاف حدّاً، حتى اشتهر إنّ في الصلاة أربعة آلاف مسألة .