المقالة الاُولى

كعبة الاسلام وإصلاح الاُمّة[1]

 

 

الحمدلله ربّ العالمين والصلاة والسلام على الاشرف خلق الله محمد وآله الطاهرين لاسيّما مولانا بقيّة الله في الأرضين تاسع ولد الإمام الحسين  7 الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدال بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

ربّي انطقني بالهدى والهمني التقوى .

لقد ورد في الأحاديث الشريفة ذكر الكعبة المشرّفة كمثال ومقياس لبيان بعض الحقائق ، كقول رسول الله محمّد 6 لأميرالمؤمنين علي  7: «يا علي أنت كالكعبة تزار ولا تزور» أو قوله  6: «حرمة المؤمن أشدّ من حرمة الكعبة ».

ومن هذا المنطق خطر على بالي انّ الاسلام المحمّدي الأصيل بما نعتقده في
مدرسة أهل البيت  : كالكعبة المكرّمة ذات أركان وأضلاع أربعة ، ولا يكمل إسلام المسلم إلّا على ضوء هذه الأركان الأربعة ، فاذا كانت أركان الكعبة عبارة عن : ركن الحجر الأسود الذي يبدء وينتهي به الطواف بأشواطه السبعة ، ثمّ الركن العراقي باتّجاه العراق ، ثمّ الركن الشامي قبال الشام ، فالركن اليماني نحو اليمن ، فكذلک كعبة الاسلام فالطائف يتمّ ويكمل طوافه لو كان حول أركان الكعبة الأربعة ، فمن توفّق أو إنحرف أو قطع مسيره عن ركن من الأركان ، أو في ضلع من الأضلاع فانّه نقص طوافه وبطل حجّه ، ولا يقبل منه فعله وكذلک من يطوف حول كعبة الاسلام فمن توقّف أو انحرف عن ركن من أركانه فقد نقص إسلامه ، ولا يقبل منه يوم القيامة .

أمّا أركان كعبة الإسلام :

فالركن الأوّل : (الركن المحمّدي ) الذي يبدء بصاحب الرسالة الاسلاميّة برسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين وأشرف الخلائق أجمعين محمّد 6 ومن (يوم الغار) غار حراء، ونزول الوحي بجرئيل الأمين  7 مخاطباً الرسول الأعظم 6 (آقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ آلَّذِي خَلَقَ )[2] .

 

والركن الثاني : (الركن العلوي ) ويبدء بصاحب البيعة وحامل اللواء بأميرالمؤمنين سيّد الأوصياء والمتّقين ويعسوب الدين علي  7 ومن (يوم الغدير) بنصب علي 7 أميراً على المؤمنين ، وخليفة رسول الله بلا فصل من بعده .

الركن الثالث : (الركن الحسيني ) ويبدء بصاحب الثورة الحسينيّة سيّد الشهداء الامام الحسين بن علي  8 ومن (يوم عاشوراء) وفي كربلاء في السنة 61 في الهجرة فقتل الإمام الحسين  7 وأصحابه وسهى عياله .

والركن الرابع : (الركن المهدوي) ويبدء بالامام الثاني عشر الحجّة الموعود المنتظر المهدي من آل محمّد عليه وعليهم السلام من ولد فاطمة الزهراء3 ومن (يوم الظهور) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبت الأرض والسماء، قطب عالم الامكان صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه الشريف وجعلنا الله من خُلّص شيعته وأنصاره والمستشهدين بين يديه ، آمين يا ربّ العالمين .

ثمّ الضلع الأوّل : بين الركن المحمّدي والركن العلوي هو (ضلع النبوّة ) الخاتمة ، وعلى كلّ مسلم ومسلمة أن يعرفا نبيّهما، ويؤمنا به ، ويتعرّفا على سنّته وسيرته وحياته الكريمة ، لاسيّما صدعه بالرسالة خلال (23) عاماً (13 عاماً) في مكّة المكرّمة و(10 أعوام ) في المدينة المنوّرة .

وضلع النبوة هو ضلع (بداية الاسلام ) وكان الصراع بين الحق والباطل ، يتمثّل بالاسلام كلّه ، والكفر كلّه ، كما في غزوة الخندق أو الاحزاب ، وبراز أميرالمؤمنين علي  7 لعمرو بن عبد ود العامري ومقولة النبي  6 المشهورة «برز الاسلام كلّه للكفر كلّه » وكان القتال آنذاک على تنزيل القرآن وحكومته بين الناس .

والضلع الثاني : بين الركن العلوي والركن الحسيني هو (ضلع الامامة ) فان الامامة في ولد الحسين  7، فهو ضلع الخلافة الحقة والولاية الالهيّة العظمى ، ويبدء هذا الضلع بيوم الغدير 18 ذي الحجّة سنة (10) من الهجرة ، وإنقلب الناس على أعقابهم بعد رحلة رسول الله 6 إلى جوار ربّه ، وعلى كلّ مسلم ومسلمة أن يعرفا امام زمانهما، فانّه من مات ولم يعرف امام زمانه ، مات ميتة كفر وجاهلية ونفاق ، فانحرف كثير من الناس بعد رحلة نبيّهم عن مسير الاسلام الصحيح ، وتبدّلت نعمة يوم الغدير بنقمة يوم السقيفة ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ وظهر النفاق الدفين وأحدثوا بعد رسول الله ما لم يكن بالحسبان في ظاهر الأمر، بغصب الخلافة وإستحواذ الشيطان عليهم ، والاغترار بالدنيا وزخارفها، فبالأمس كانوا يقتادون القدّ، واليوم يملک طلحة خمسة ملايين دينار من الذهب ، وفي عصرنا هذا يكون من المليارديّة ، فتغيّرت الموازين وإختلطت الأوراق فان الخليفة والحاكم الثاني من قبل قال : (حسبنا كتاب الله) ـ ولو في ظاهر الأمر ـ واليوم بعد خمسين عاماً يقول خليفتهم الأموي يزيد بن معاوية : (لعبت هاشم بالملک فلا خبر جاء ولا وحي نزل ).

أي أنكر حتّى ظاهر الاسلام والأخذ بكتاب الله، كما فعل أسلافه ولو نفاقاً، فأنكر القوم باطن القرآن وصار القتال على تأويله ، وظهر الفساد وعمّ البلاد، ومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع الاسلامي آنذاک ، بل انقلب وصار المنكر معروفاً والمعروف منكر كما صار الحق باطلاً، والباطل حقّاً، وهذا الضلع يمثّل (ديمومة الاسلام ) بالامامة الحقّة ، والضلع الغديري الذي يحكي الولاء لأولياء الله.

والضلع الثالث : يبدء ما بين الركن الحسيني إلى الركن المهدوي ، وهو الضلع العاشورائي ، فبدايته يوم عاشوراء وهو (ضلع الانتظار) والإصلاح والاستعداد لحكومة الصالحين ، حكومة الامام المهدي  7 العالميّة .

وفي هذا الضلع (إستقامة الاسلام ) فانّه في ظروف الضلع الثاني الحاكلة والمكفهرة والاستبداد بالحكم الجائر المتمثّل بيزيد الطاغية المنصوب من قبل أبيه معاوية ، كما نصب أبوه من قبل الثاني والثاني من قبل الأوّل والأوّل بيوم السقيفة كما في التاريخ ، فخرج الامام الحسين بن علي  8 سبط الرسول الأعظم محمّد6 على يزيد زمانه ، وأنكر عليه ظلمه وفساده وجوره ، وأعلنها ثورة صارخة يدوي صداها في العالم ، جيلاً بعد جيل ، كما في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة قائلاً: «... وإنّي لم أخرج أشراً ولابطراً ومفسداً ولاظالماً وانّما خرجت للاصلاح في أُمّة جدّيآمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأسير على سيرة جدّي رسول الله  6 و أبي أميرالمؤمنين 7».

فبيّن  7 أهداف ثورته المقدّسة ، وأنّه يريد الاصلاح الفردي والاجتماعي في اُمّة جدّة بأبرز آليات الاصلاح من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء السيرة المحمّديّة والمنهج العلوي القويم .

فكان الضلع الثالث للاسلام ، وعلى كلّ مسلم ومسلمة معرفة حقيقة هذا الضلع المقدّس ، فان كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء، والمقصود منه إصلاح الاُمّة من يوم عاشوراء وإلى يوم الظهور، ولم يعلم مقدار زمانه ، كما علمنا ذلک في الضلعين الأوّلين ، أي الضلع النبوي المحمّدي 23 عاماً، والضلع الأمامي الغديري 50 عاماً، والصراع في هذا الضلع الحسيني العاشورائي بين الايمان كلّه والنفاق كلّه ، ويبقى النفاق في المجتمع الاسلامي إلى يوم الظهور.

وأمّا الضلع الرابع : فانّه يبدء من يوم الظهور ويختم بالركن المحمّدي ، ولا يعلم مقدار زمانه ، ومقدار حكومة الصالحين (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي آلزَّبُورِ مِن بَعْدِ آلذِّكْرِ أَنَّ آلاَْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ آلصَّالِحُونَ )[3] .

 

وفي هذا الضلع (عزّة الاسلام ) كما ورد في دعاء الافتتاح عن صاحب الزمان  7 بسند حسين بن الروح من السفراء الأربعة : «اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْکَ فىü دَوْلَةٍ كَريüمَةٍ، تُعِزُّ بِهَا الاِْسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ ».

ونحن في الضلع الثالث مكلّفون بالانتظار والاصلاح والإستعداد لظهور صاحب الزمان  7 ولو ببري سهم ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ فنكون من الممهّدين والموطنين لدولة الحق التي تحكم العالم ، وترفرف رايات الاسلام في كلّ ربوع الأرض .

ولا يخفى إن أتباع مذهب أهل البيت  : وشيعتهم الاماميّة الاثنى عشريّة في هذا الضلع الاصلاحي والانتظاري ، يكونون دائماً في قلّة من حيث العدد، كما انّهم محاطون بكثرة الأعداء، كما جاء في دعاء الافتتاح أيضاً «اَللّـهُمَّ اِنّا نَشْكوُ اِلَيْکَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُکَ عَلَيْهِ وَالِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا».

فعلى كلّ مؤمن ومؤمنة إصلاح أنفسها كما أراده الامام الحسين  7 في نهضته المباركة .

الله الله بالاصلاح الفردي والاجتماعي وعلى كلّ الأصعدة ، وفي الظاهر أي بالآداب الاسلاميّة ، وفي الباطن ؛ أي الأخلاق الإسلاميّة ، فان الأدب حسن الظاهر، والخلق الطيّب حسن الباطن[4] .