ارسال السریع للأسئلة
تحدیث: ١٤٤٥/١٢/٢٤ السیرة الذاتیة کتب مقالات الصور دروس محاضرات أسئلة أخبار التواصل معنا
العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
تصنیف المقالات احدث المقالات المقالات العشوائية المقالات الاکثرُ مشاهدة

المقالات الاکثرُ مشاهدة

الشابّ الموقن الشّهید

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالی في محکم کتابه الکریم(هذا بصائرُ للناس وهدیً ورحمةٌ لقومٍ یُوقنون) إنّ أنفس وأغلی وأعزّ شيء فسّمه الله بین عباده هو الیقین، فقلیل من الناس من حاز درجة الیقین.

قال الامام الصادق×: إنّ الإیمان أفضل من الإسلام، وإن الیقین أفضل من الإیمان، وما من شيء أعزّ من الیقین.

فالإسلام بمعناه الخاص یعنی قول الشهادتین (الشهادة بتوحید الله والشهادة بخاتمیّة الرسالة بمحمد رسول الله(ص) ومن یبتغ غیر الإسلام دیناً فلن یقبل منه، فقد أکمل دینه، وأتمّ نعمته ورضي لنا الإسلام دیناً، وأفضل من الإسلام الإیمان والإقرار باللسان والإذعان بالقلب والعمل بالأرکان ،ومن آمن بولایة الله ورسوله وأهل بیته الأطهار^، فیعتبر في الإیمان ما لایعتبر في الإسلام، فهو أخص  وأفضل منه  ثم ما یفوق الإیمان الیقین، فإنّه العلم الذي لم یتغیر بالشک والشبهات ولم یتزلزل الموقن مهما بلغ الأمر، فإنّه یعتبر فیه أعلا مراتب الجزم والقطع، فهو من العلم الخاص الذي یکون في القلب کالجبل الراسخ لاتحرکه عواصف الشبهات والشکوک والأوهام والظنون بنحو یترتب علیه الآثار، ویوجب فعل الطاعات وترک المناهي بقلب سلیم ومطمئن بذکر الله سبحانه، مالایکون في الإیمان، فکان الیقین أخص وأفضل منه، فإنّه خال عن الشکوک واحتمال النقیض، فهو من التصدیق والاذعان القلبي التّام، وهذا عزّ شيء في الناس، فإنّهم عبید الدنیا والدین لعق علی ألسنتهم إذا محصوا بالبلاء أو الشکوک والشبهات والظنون قلّ الدّیانون، فإنّ القابض علی دینه کالقابض علی جمرة من النّار، فمثل هذا الإیمان الذي هو عبارة أخری عن الیقین نادر بین الناس وأقل وجوداً، فإنّه ممّا یوجب العصمة الإفعالیة، إذا أنّ الیقین لایجتمع مع المعصیة والرذیلة ،ولا سیّما مع الاصرار علیها، والتارک لها نادر قلیل، بل یمکن أن یدّعی أنّ إیمان الناس لیس إلّا تقلیداً أو ظناً یزول بأدنی وسوسة من النفس أو القاء الشبهات من شیاطین الجن والإنس، ویکفیک شاهداض ماتجده من أنفسنا ومن غیرنا، فإنّ الطبیب لو قال لنا وأخبرنا بأنّ الطعام الفلاني یضرّنا أو یوجب زیادة المرض والسّقم والآلام أو یوجب بطوء برئه، فإنّه نحتمي من ذلک الطعام بمحض قول الطبیب صوناً من المرض ،وحفظاً للنفس من الضرر الضعیف المتوهم والمظنون، ولکن لانترک المعاصي والذنوب کالإستغابة التي هي أکل لحم الأخ المیت، مع أخبار الله ورسوله وأئمة الهدی ^ بذلک وانها من المهلکات وتوجب السقاء والعذاب الشدید والخسران في الدنیا والآخرة، ولیس ذلک إلا ضعف الإیمان وعدم الیقین.

قال الإمام الکاظم موسی بن جعفر×: الإیمان فوق الإسلام بدرجة، والتقوی فوق الإیمان بدرجة، ولیقین فوق التقوی بدرجة، وما قمتم في الناس شيء أقل من الیقین.

ونظیر هذا الحدیث ما قاله الإمام الصادق× وزاد: فما أوتی الناس أقلّ من الیقین، وإنّما تمسّکتم بأدنی الإسلام فإیّاکم أن ینفلت من أیدیکم.

فإیاکم والغفلة فصونوا أنفسکم ولاینفلت ویخرج من قلوبکم فجأةً ، فکم من أصبح مؤمناً وأمسی کافراً، وأمسی مؤمناً وأصبح کافراً، وکم من کانت عاقبته علی الشرّ والشقاء، ومات منافقاً أو کافراً، وهذا یدل علی أن من لم یکن في درجة الیقین وتیقّنت أنفسهم بالفوز کالمتقین والکّملین ومن لم یکن في درجة کاملة من الإیمان ،فهو علی خطر عظیم من زوال إیمانه، فلایغتر من لم یتّق المعاصي ویرتکب الموبقات بحصول العقائد الحقة کالموالي لأهل البیت^، فإنّه یمکن زوال إیمانه عنه، ویدخل في زمرة المخالفین والنواصب وهو لایعلم، فإنّ الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنه صیانة وحصون للإیمان ،توجب الحفظ من سرّاق شیاطین الإنس والجان.

الکافي بسنده عن یونس قال: سألت أبالحسن الرضا× عن الإیمان و الإسلام فقال: قال أبوجعفر×: إنّما هو الإسلام، والإیمان فوقه بدرجة، والتقوی فوق الإیمان بدرجة، والیقین فوق التقوی بدرجة، ولم یقسّم بین النّاس شيء أقل من الیقین، قال: قلت: فأي شيء الیقین؟ قال: التوکّل علی الله، والتسلیم لله، والرّضا بقضاء الله، والتفویض إلی الله، قلت: فما تفسیر ذلک ؟ قال: هکذا قال أبوجعفر × !

أقول: قوله × (إنّما هو الإسلام) یرجع الضمیر (هو) إلی الدین لقوله تعالی (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ).

أو معناه: لیس أوّل الدخول في الدین إلا درجة الإسلام، ثمّ× بیّن سلسلة المراتب في زیادة الإیمان والهدایة ،فبعد الإسلام بدرجة الإیمان، وفوق الإیمان بدرجة التقوی، وهذا یدلّ علی أنّ التقوی أکمل وأفضل من الإیمان، والتقوی لغةً: من الوقایة والحفظ وفرط الصّیانة، وفي المصطلح المتشرعي في الکتاب والسّنة هو صیانة النّفس عمّا یضرها في الآخرة، وقصرها علی ماینفعها فیها، فیتوقی الذنوب والآثام والصفات الرذیلة، ویتحلّی بالعلم النافع والأعمال الصالحة والصفات الحمیدة والعقائد الحقّة.

وللتقوی مراتب ثلاثة: الأولی: وقایة النفس وصیانتها عن العذاب المخلّد بتصحیح العقائد الإیمانیة، وبإتیان الواجبات وترک المحرمات، وهي تقوی العام، أي لابد منها لعامة الناس من الرجال والنساء.

الثانیة: التجنب عن کلّ ما یؤثم من فعل أو ترک، وکل ما کان مرجوحاً في الفعل والصفات، فیترک الشبهات فضلاً عن المحرمات، وهذا مرتبة الخواص.

والثالثة: التوقي والإجتناب عن کلّ مایشغل القلب عن الحق، وترک الحلال فضلاً عن الشبهات والمحرمات، وهذا درجة الخاص الخاص.  والظاهر أنّ المراد من التّقوی فوق الإیمان هنا هو أحد المعنیین الأخیرین ،وربّما یکون المراد المعنی الثاني وأمّا المعنی الثالث فهو الیقین، فیکون فوق التقوی بمعناها الأوّل والثاني. وأ مّا قوله × (فما قُسّم للناس) فربّما یدلّ علی أنّ للإستعدادات الذّاتیة والعنایات الإلهیة والفیوضات الرّبانیة دوراً هاماً ومدخلاً في مراتب الإیمان والیقین.

ثمّ قال المحقق الطوسي قدس سره في أوصاف الأشراف في تعریف الیقین الیقینی اعتقاد جازم مطابق للواقع ثابت، لایمکن زواله، وهو في الحقیقة مؤلف ومرکّب من علمین: العلم بالمعلوم أولاً، وثانیاً العلم بأنّ خلاف ذلک العلم الأوّل محال، وله مراتب: علم الیقین وحقّ الیقین».

فإذا کان الجهل البسیط یقابل العلم، فإنّ الجهل المرکّب الّذي یجمل ویجهل أنّه جاهل به فیتصوّر أنّه عالم ،وهذا أصل الشک وعینه، یقابله الیقین، فالجهل المرکّب یرکّب من جهلین، والیقین مرکب من علمین ،فتدبّر ،فإنّ العلم الأوّل یتقدّمه الوهم ثمّ الشک ثمّ الظنّ، فمع الشبهة مثلاً یمکن أن ینقلب العلم إلی الظن ثمّ یرجع إلی الشک ثمّ إلی الذین هما من أطراف الجهل وإلی الظنّ مهما بلغت الشبهات والشکوک.

ولزیادة المعرفة في هذا الأمر المهم ،لابأس أن أذکر ما جاء في بحار الأنوار عن بعض المحققین: أنّ الیقین ثلاث درجات: الأولی: علم الیقین: وهو العلم الذي حصل بالدلیل، کمن علم وجود النّار برؤیة ا لدخان.

الثانیة: عین الیقین وهو کمن اقترب من النار واحسّ بحرارتها فادرکها حسّاً کالرؤیة بالعین الباصرة والاحساس باوصافها حسّاً ملموساً.

والثالثة: حقّ الیقین: وهو کمن دخل النار واتّصف بصفاتها حقاً. وقال: بعضهم إعلم أنّ العلم والعبادة جواهران لأجلهما کان کلّما تری وتسمع ،کما یدلان علی فلسفة الخلقة وسرّ الحیاة وقد تعرّض العلماء الأعلام لبیان ذلک فکلّما تسمع وتری من تصنیف المصنفین وتعلیم المعلّمین ووعظ الواعظین، ونظر الناظرین، فکلّه یصب في هذا المصب ،بل لأجلهما أنزلت الکتب السماویة، وأرسلت الرّسل وبُعث الأنبیاء بل لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما فیها من الخلق، وناهیک لشرف العلم قول الله عزّوجلّ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. ولشرف العبادة قوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).

فواجب علی العبد أن لايشتغل إلّا بهما، ولايتعب إلّا لهما، وأفضل الجوهرين العلم كما ورد عن رسول الله | (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم).

والمراد بالعلم هو الدّين، أعني معرفة الله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قال الله عزّوجلّ: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ).

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلا بَعِيداً).

ولاريب أن مرجع الايمان في قوله (آمنوا) إلى العلم، وذلک لأنّ الايمان هو التصديق بالشيء على ماهو عليه، والتصديق لا محالة هو مستلزم لتصور ذلک شيء كذلک ،بحسب الطاقة البشرية، والتصديق والتصور هما معنى العلم ،أي العلم التصوري والعلم التصديقي والكفر یقابل الايمان والعلم وهو محض الستر والغطاء لغةً ،ومرجعه إلى الجهل، وقد خصّ الايمان في الشرع الإسلامي المقدس بالتصديق بهذه الخمسة، ولو اجمالاً، فالعلم بها لابدّ منه، وإليه الإشارة بقوله|: (طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة) أي يجب على كلّ مسلم ومسلمة علم العقيدة والايمان بالاُمور الخمسة عن علم وتصديق ولكن لكلّ إنسان بحسب طاقته ووسعه (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا). فإنّ للعم والإيمان درجات مترتبة في القوة والضعف، والزيادة والنقصان، بعضها فوق بعض كما دلّت عليه الأخبار الكثيرة ،فهما من الكلّي التشكيكي ،ذات المراتب الطولية والعرضية كما هو ثابت في محلّه.

وذلک لأنّ الإيمان إنّما يكون بقدر العلم الّذي به حياة القلب، وهو نور يحصل في القلب بسبب إرتفاع الحجاب بينه وبين الله جلّ جلاله: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ). (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا).

وليس العلم بكثرة التعلّم ،أي هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه. وهذا النور من الكلي التشكيكي قابل للقوة والضعف، والإشتداد والنقص، كسائر الأنوار (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً). (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً).

كلّما ارتفع الحجاب ازاداد نوراً، فيقوى الإيمان، ويتكامل إلى أن ينبسط نوره فينشرح صدره، ويطّلع على حقائق الأشياء ویتجلّى له الغيوب، ويعرف كلّ شي في موضعه، فيظهر له صدق الأنبياء: في جميع ما أخبروا عنه اجمالاً وتفصيلا،على حسب نوره، وبمقدار انشراح صدره، وينبعث من قلبه داعية العمل بكلّ مأمور، والإجتناب عن كلّ محذور، فيضاف إلى نور معرفته أنوار الأخلاق الفاضلة، والملكات الحميدة، (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ). (نُّورٌ عَلَى نُورٍ). وكلّ عبادة تقع على حقیقتها ونحجها تورث في القلب صفاء يجعله مستعداً لحصول نور فيه، وانشراح ومعرفة ويقين، ثمّ ذلک النور والمعرفة واليقين تحمله على عبادة أخرى وإخلاص آخر فيها، يوجب نوراً آخر وانشراحاً أتمّ، ومعرفة أخرى ويقيناً أقوى، وهكذا إلى ماشاء الله جلّ جلاله ،وإلى ربّک المنتهى وعلى كل من ذلک شواهد ،من الكتاب والسنّة المطهرة ومنهاج الأئمّة الأطهارعلیهم السلام.

ثمّ إعلم أنّ أوائل درجات الإيمان تصديقات مشعر به بالشكوک والشبه، على اختلاف مراتبها، ولكن معها ألشرک (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ).

وعنها يعبّر بالإسلام في الأكثر (قَالَتِ الاَْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ).

وأواسطها تصديقات الإيمان عليها خاصة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

وأواخرها تصديقات كذلک مع كشف وشهود وذوق وعيان ومحبّة كاملة لله سبحانه، وشوق تام إلى حضرته المقدسة (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِکَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء).

وعنها العبارة تارة بالإحسان (الإحسان أن تعبدالله كأنّک تراه) وأخرى بالإيقان (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).

وإلى المراتب الثلاث الإشارة بقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

وإلى مقابلاته التى هي مراتب الكفره الاشارة بقوله عزّوجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا)..

 نسبة الإحسان واليقين إلى الإيمان كنسبة الإيمان إلى الإسلام ،فبینهما نسبة العموم والخصوص المطلق، فكلّ إيمان إسلام ولاعكس، وكلّ يقين إيمان ولاعكس ،ولليقين ثلاث مراتب: علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ). (إِنَّ هَذَا لَهُوَحَقُّ الْيَقِينِ).  والفرق بينها، إنّما ينكشف بمثال: فعلم اليقين بالنار مثلاً هو مشاهد المرئيات بتوسط نورها أو دُخانها وعين اليقين بها هو معاينة ومشاهدة جرمها، وحقّ اليقين بها الإحتراق فيها، وإنحاء التوبة بها، والصيرورة ناراً صرفاً وحقّاً وحقيقة ثبوتاً وإثباتاً وليس وراء هذا غاية، ولا هو قابل للزيادة، لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً. انتهى كلامه مع بيان بعض الغروات والإضافات.

أيّها الشباب الأعزّاء بعد ما عرفتم اجمالاً معنى اليقين لغةً ومصطلحاً، ثمّ معرفة درجاته ومراتبه، ومحلّه في سلسلة السير والسلوک ودرجات الإيمان ،فإنّه بعد الإسلام والإيمان والتقوى يكون اليقين، وأنّه أعزّ شيء وأقلّ شيء قسّمه الله جلّ جلاله على عباده وبين النّاس، فإليكم حينئذٍ شاهداً من التاريخ الإسلامي والشاب الموقن الشهيد في صدر الإسلام ،وكيف كان حاله وما جرى بينه وبين رسول الله محمد المصطفى| من الحوار الإيماني.

الكافي بسنده عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أباعبدالله× يقول: إنّ رسول الله| صلّى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفراً لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله|: كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله موقناً -أي وصلت إلى درجة اليقين بعد الإسلام والإيمان والتقوى- فعجب رسول الله من قوله، وقال له: إنّ لكلّ يقين حقيقة، فما حقيقة يقينک ؟ أي لكلّ دعوى دليل فما دليلک على إدّعائک بالوصول إلى درجة اليقين؟ فقال: إنّ يقيني يا رسول الله هو الّذي أحزنني، وأسهر ليلي وأضمأ هو اجرى، كناية عن الصوم -فحا لي خير شاهد على مقالي وإدعائي فعرفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي، وقد نصب للحساب، وحشر الخلائق لذلک، وأنا فيهم، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعمون في الجنة، ويتعارفون على الأرائک متّكئون، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مصطرخون، وكأنّي الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي- هكذا یفعل اليقين بأهله فيصل بالموقن إلى درجة الكشف والشهود والّذي يطلبه العرفاء في عرفانهم-

فقال رسول الله|: هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان، ثمّ قاله له: ألزم ما أنت عليه.

فقال الشاب: ادع الله لي يا رسول الله أن أرزق الشهادة معک، فدعا له رسول الله|، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي| فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر، فهؤلاء العشرة الّذين يبشرهم الله بالجنّة، إبرار شهداء أخيار، أحياء عند ربّهم يرزقون.

فيا شباب الإسلام ويا شباب الجوادين هلمّوا ان نقتدي بهذا الشاب الموقن الشهيد، ونسأل الله الربّ الكريم، ولاسيّما في زياراتنا لبيت الله الحرام وللمشاهد العظام، وعند قبور أئمّتنا الأطهار^، أن يرزقنا الله اليقين بكلّ مراتبه، ونطلب بذلک من مولانا وإمام زماننا الإمام الحجة بن الحسن العسكرى المهدي الموعود # يدعو لنا بشهادة معه وفي صفه كالبنيان المرصوص وكان الإمام زين العابدين× يطيل السجود بعد المغرب يسأل الله اليقين، وكان أميرالمؤمنين× يقول ويسأل الله اليقين، وزيادة اليقين يوجب إطمينان القلب وبه أعظم السعادة من يوقّر قلبه ببرد اليقين (وباليقين تدرک الغاية القصوى) فإنّه (رأس الدين) و(أفضل الإيمان حسن الإيقان) (نظام الدين حسن اليقين) (وعلى قدر دين تكون قوّة اليقين) (فاليقين عماد الإيمان) (وأنّ الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كلّه) و(باليقين تتمّ العبادة) و(لا عمل إلّا بالنيّة ولا عباده إلّا بيقين) و(نوم على اليقين خير من صلاة على الشک). فطوبى لمن أيقين وعاين، وسلُم قلبه واطمئنّ، فنسئل الله سبحانه بمحمّد وآله أتمّ اليقين وأكمله، فنسهر اللّيالي في عباداته ومناجاته ونصوم النّهار ونقوم بطاعاته، ونعزف عن الدنيا ونزهد فيها حتّى نصل إلى مقام الكشف والشهود، وننظر إلی عرش الله سبحانه وقد نصّب للحساب في يوم الشفاعة، وعند حشر الخلائق ونحن فيهم، ثمّ نشاهد النّار وأهلها وعذابها حتّى كأنّما نسمع زفيرها، صوتها عند ايقادها يدور في مسامعنا.

ونرى الجنّة وأهلها ونعيمها حتّى نشاهدهم على الأرائک متّكئون يطوف علیهم ولدان مخلّدون بأكواب وكأس من معين وحينئذ نطلب من الله الشهادة، وننتظر القتل في سبيله، فمنهم من قضا نحبه ومنهم من ينتظر ، وما أجمل الحياة الطيبة التي نعيش فيها بالايمان والتّقوى واليقين، وبمثل هذه الامنية العظيمة (وقتلاً في سبيلک مع وليّک المنتظر).

اللّهم ارزقنا وجميع المؤمنين والمؤمنات هذه الاُمنيّات والآمال الطيبة، وحقّقها لنا في الدنيا والآخرة، آمين ربّ الداعين، وآخر دعوانا أن الحمدلله ربّ العالمين.

ارسال الأسئلة