الصور النشاطات السيرة  
الصور النشاطات السيرة  
الصوتيات المرئيات الکتب  
الصوتيات المرئيات الکتب  
الإتصال بنا القائمة العامة الإستفتائات  
الإتصال بنا القائمة العامة الإستفتائات  
       
 
   علوی.نت . العربیة . مکتبة الکتب . رسالات الإسلامیة . المجلد الثالث و العشرون - 23 . منیة الاشراف فی کتاب الانصاف . 1 .  

بعد  فهرست  قبل 
(2)
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد للّه‏ كما هو أهله ومستحقّه ، والصلاة والسلام على الهادي البشير
والقائم النذير ، أشرف خلق اللّه‏ ، سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد ، وعلى آله
المعصومين أركان البلاد ، وساسة العباد ، والأئمة الهداة .
سبحانك يا ربّنا اللطيف الخبير العليم القدير ، فإنّك مدبّري ولست أدري ،
فما هذه الألطاف الخفيّة ، والنِّعم الجليّة على العباد ، فبين آن وآن تتعرّف لخلقك
ليعرفونك فيطلبونك ، فإنّه من عرف طلب ، ومن طلب وجد ، ومن وجد عشق ،
والعاشق يتّحد مع معشوقه ، ويفنى في حبّ حبيبه وعشق معشوقه ، فمن عرفك
طلبك ، ومن طلبك وجدك ، ومن وجدك عشقك ، ومن عشقك عشقته ، فأنت
العاشق وأنت المعشوق ، سبحانك سبحانك جلّ جلالك ، وعظم إحسانك .
وما أروع وأجمل الحبّ والعشق الذي يكون بين العبد وبين مولاه ، فيكفيه
يا ربّ فخرا ، أن يكون لك عبدا ، وكفاه عزّا أن تكون له ربّا ، وينتهي به طواف
العشق إلى مقام الفناء باللّه‏ وفي اللّه‏ وللّه‏ ، ويغرق حينئذٍ في جمال أسمائك الحسنى ،
ويسبّح في سبحات جلال صفاتك العليا ، وما من شيء إلاّ ويسبّح بحمدك ، فيأنس
(3)
--------------------------------------------------------------------------------
بك ويطمئن قلبه بذكرك ، ويستوحش من غيرك(1) .
أيا سيّدي ومولاي ، أوَ لست أنت المدبّر للاُمور ، وإنّ يدك الغيبيّة المتمثّلة
بإمام الزمان المهدي المنتظر ترعانا ، وحناك القدسي وفيضك الأقدس المتجسّد
بأنفاس وليّ أمرنا الثاني عشر يحفظنا ، فلا أدري أبلساني الكالّ أشكرك أم بعملي
القاصر اُثني عليك ، وكيف وأ نّى يكون ذلك ... هيهات فلا حيلة لنا إلاّ الاعتراف
بالعجز والتقصير ، وإنّك الغفور الرحيم .
يا ربّي ويا معبودي ومدبّري ، إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ، وما أجمل وأعظم
لطفك الحسن الجميل ، ففي شهر شعبان المعظّم ، شهر نبيّك الأكرم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، وفي اُسبوع
واحد يُتحفني إخوان الصفا من فضلاء ومشايخ العراق والبحرين ، بكتابيهما
القيّمين ، لأكتب لهما مقدّمةً وتقريظا ، لحسن ظنّهما بالكاتب .
ففي بداية الاُسبوع سرّحت بريد النظر في كتاب ( الآيات الباهرة في العترة
الطاهرة ) فوجدته كتابا ثمينا يبحث عن الخلافة والإمامة الحقّة بعد رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله من خلال الآيات القرآنية ، بقلم سماحة الشيخ الجليل الحجّة الشيخ مهدي
البحراني دامت بركاته ، فكتبت له مقدّمة في أكثر من 30 صفحة خلال سويعات ،
وما ذلك إلاّ عشقا وشوقا وتقرّبا إلى اللّه‏ وإلى رسوله وأهل بيته عليهم‏السلام . وفي نهاية
الاُسبوع تشرّفت بالكتاب الثاني ( الإنصاف في النصّ على الأئمة الاثنى عشر من
آل محمّد الأشراف ) من تأليفات المحقّق الكبير آية اللّه‏ المحدّث الشهير السيّد
هاشم البحراني قدس‏سره فوجدته كتابا قيّما قد حقّقه وأخرجه في حلّته الجديدة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه‏السلام : من استأنس باللّه‏ استوحش من النار . شرحت ذلك
في رسالة ( مقام الاُنس باللّه‏ ) ، مطبوع .
(4) ··· منية الأشراف في كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
الفاضلان الجليلان الححّة الشيخ سلام الزبيدي والشيخ يوسف العلي دام عزّهما ،
وألفيته يتحدّث عن الإمامة الحقّة أيضا ، إلاّ أ نّه من خلال السنّة الشريفة
والأحاديث المرويّة عن الرسول الأعظم وأهل بيته الأطهار عليهم‏السلام فقلت في نفسي
( سبحان اللّه‏ ) كلا المؤلّفَين والكتابين من البحرين « مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ *
بَـيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَـبْغِيَانِ »(1) فهذا يستدلّ بكتاب اللّه‏ والآخر بسنّة رسوله ، وكأنّ
اللّه‏ سبحانه أراد أن يذكّرني وغيري أنّ الإمامة الحقّة ثابتة بالكتاب الكريم والسنّة
الشريفة المتمثّلة بالعترة الهادية ، فإنّهما المصدر للمعارف الإلهيّة والأحكام
الشرعيّة وثقافتنا الإسلامية ، فهما الثقلان بعد رسول اللّه‏ ، وإنّهما لن يفترقا في كلّ
شيء أحدهما يدعو إلى الآخر ، وكلاهما كلام اللّه‏ إلاّ أنّ أحدهما الصامت
التدويني العلمي ، والآخر الناطق التكويني العيني ، ما أن تمسّكنا بهما ، لن نضلّ
أبدا ، كما جاء في ( حديث الثقلين ) الثابت والمتواتر عند الفريقين ـ السنّة
والشيعة ـ .
فأحد الكتابين يكمّل الآخر لمن أراد أن يعرف الحقّ ويبحث عن
الحقيقة ، فما عليه إلاّ أن يرجع إلى آيات اللّه‏ الباهرة ، وأحاديث النبيّ والعترة
الطاهرة .
أجل ، أ يّها المسلم ، أ يّتها المسلمة ، إنّ اللّه‏ سبحانه وتعالى سوف يسألنا يوم
القيامة ـ وإذا مات المرء قامت قيامته ـ فيسألنا منذ بداية الرحلة إلى عالم الآخر ،
لقوله تعالى : « وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ »(2) فيا ترى عن أيّ شيء يكون
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الرحمن : 19 ـ 20 .
(2) الصافّات : 24 .
تقديم ··· (5)
--------------------------------------------------------------------------------
السؤال ؟ !
لا يسأل عن طعام وشراب فإنّه أكرم الأكرمين ، وليس من شيمة الكرماء
أن يسألوا عن طعام أطعموه ، فسبحانه لا يسأل عن مثل المأكولات والمشروبات
المحلّلة ، وإن كان في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، وفي الشبهات
عتاب .
إلاّ أ نّه يسأل أوّلاً عمّا هو الأهمّ ، ألا وهو الإيمان القلبي الكامل ، الذي فيه
سعادة الدارين .
فإنّه يسأل عن التوحيد ( مَن ربّك ) ، ثمّ يسأل عن النبوّة ( مَن نبيّك ) ، ثمّ
يسأل عن إمام زمانك ( مَن إمامك ) ، فإنّه الوسيط بين الخالق والخلق بعد النبيّ ،
فإنّ الإمامة إنّما هي امتداد لخطّ النبوّة بكلّ معالمها وعوالمها ، إلاّ تلقّي الوحي ،
كما أنّ النبوّة امتداد لخطّ التوحيد ، فالإيمان إنّما يكمل بالإمامة وبمعرفة الإمام ،
وهذه حقيقة ثابتة بالأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة من العقل السليم والقرآن
الكريم والسنّة الشريفة ، فلا يمكن إنكارها ، أو التغافل عنها .
فقد ثبت عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ أنّ الرسول الأكرم محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ،
قال : ستفترق اُمّتي ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية والباقية من الهالكين .
فمن هذه الفرقة الناجية ؟ ! وما الدليل على ذلك ؟
ثمّ مَن هو إمام زمانك ؟ فإنّ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قال ـ كما هو ثابت عند
الفريقين ـ : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية ، ميتة الكفر
والضلال .
أقولها بصراحة : إنّ المتمسّك بالثقلين ( القرآن والعترة ) لا يكون ضالاً ،
(6) ··· منية الأشراف في كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
ولا يموت كافرا ، فحينئذٍ لا بدّ لكلّ واحد منّا أن يعرف إمام زمانه ، كي يُسعد في
حياته ، وينجو من عذاب اللّه‏ ومن عقابه في آخرته ، ويدخل الجنّة وينال ثوابه ،
ولا سبيل إلى ذلك إلاّ الإيمان الكامل والمستكمل بالتوحيد والنبوّة والإمامة
والخلافة الحقّة .
ثمّ الكتاب الذي بين يديك الكريمتين ، قويم في برهانه ، رصين في بيانه ،
بديع في تفصيله ، ورفيع في تبويبه ، يدعوك إلى معرفة الحقّ الذي لا بدّ منه ،
والذي ستُسأل عنه في النشأتين . فجمع لك مؤلّفه ـ للّه‏ درّه ـ بين دفّتيه ، الأحاديث
الشريفة المسندة والمعنعنة الواردة بطرق العامّة والخاصّة ، والدالّة على إمامة
الأئمة الاثني عشر عليهم‏السلام ، فنهج منهجا جميلاً بترتيب الكتاب على حسب
الحروف الهجائيّة باعتبار آخر الرواة في سلسلة كلّ حديث والذي ينقل عن
المعصوم عليه‏السلام ، وقد أجاد وأبدع بما فاض من يراعه المقدّس ، يرجع إليه من كان
منصفا فيقبله ، ويستضيء بنوره من كان مؤمنا فيحمله ، ينتفع من منبع وجوده ،
ويهتدي من فيض جوده ، ويعرف أنّ الإمامة الحقّة إنّما هي مرجعيّة دنيوية
ودينية ، ورئاسة عامّة ( في عالم الخلق ) في اُمور الدين والدنيا ، كما أ نّها مرجعية
تكوينية ( من عالم الأمر ) وإنّها من سنن اللّه‏ في عالم التكوين ، إذ الإمام قطب
عالم الإمكان ، وخليفة الرحمن في الزمان والمكان ، محور الموجودات ، ومركز
الممكنات ، وإنّما يحمل هذه المرجعيّات بحقّ بعد الرسول المختار صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بنصّ من
اللّه‏ ونصب من رسوله هم الأئمة الاثني عشر عليهم‏السلام .
ويكفيك دليلاً ما جاء في هذا الكتاب القيّم ، فإنّه تحفة الأشراف لمن كان
عنده الإنصاف .
تقديم ··· (7)
--------------------------------------------------------------------------------
« يَا أ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّـقُوا اللّه‏َ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا * يُصْلِـحْ لَكُمْ
أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُ نُوبَكُمْ »(1) .
« وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلَى اللّه‏ِ وَعَمِلَ صَالِحا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ
المُسْلِمِينَ »(2) .
« وَذَ كِّرْ فَإنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ »(3) .
« وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ »(4) .
وما أعظم أجر من دعا إلى اللّه‏ بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهدى الناس
إلى معرفة الحقّ ومتابعته ، وإنكار الباطل واجتنابه ، وعرّفهم الواجب عليهم في
اُصول دينهم وفروعه وأخلاقه .
عن أبي محمّد الإمام العسكري عليه‏السلام قال : حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن
رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، أ نّه قال : أشدّ من يُتم اليتيم الذي انقطع عن أبيه ، يُتم يتيم انقطع
عن إمامه ، ولا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من
شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا ، وهذا الجاهل بشريعتنا ،
المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا ، كان
معنا في الرفيق الأعلى(5) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأحزاب : 70 ـ 71 .
(2) فصّلت : 33 .
(3) الذاريات : 55 .
(4) العصر : 3 .
(5) البحار 2 : 2 .
(8) ··· منية الأشراف في كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
وعنه عليه‏السلام قال : قال عليّ بن أبي طالب عليه‏السلام : من كان من شيعتنا عالما
بشريعتنا ، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به ،
جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يُضيء لأجل جميع العرصات ، وعليه
حلّة لا يُقوّم لأقلّ سلك منها الدنيا بحذافيرها ، ثمّ ينادي منادٍ : يا عباد اللّه‏ ،
هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمّد ، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة
جهله ، فليتشبّث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزه الجناه
فيخرج كلّ من كان علّمه في الدنيا خيرا ، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلاً ، أو
أوضح له شبهة .
قال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‏السلام : أوحى اللّه‏ تعالى إلى
موسى : حبّبني إلى خلقي ، وحبّب خلقي إليَّ ، قال : يا ربِّ كيف أفعل ؟ قال :
ذكّرهم آلائي ونعمائي ليحبّوني ، فلإن تردّ آبقا عن بابي ، أو ضالاً عن فنائي
أفضل لك من عبادة مائة سنة بصيام نهارها وقيام ليلها ، قال موسى : ومن هذا العبد
الآبق منك ؟ قال : العاصي المتمرّد ، قال : فمن الضالّ عن فنائك ؟ قال : الجاهل
بإمام زمانه تعرّفه ، والغائب بعدما عرفه ، الجاهل بشريعة دينه ، تعرّفه شريعته
وما يعبد به ربّه ، ويتوصّل به إلى مرضاته .
قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام : فأبشروا علماء شيعتنا بالثواب الأعظم
والجزاء الأوفر .
عن الإمام الصادق عليه‏السلام قال : علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي
إبليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلّط
عليهم إبليس وشيعته النواصب ، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممّن
تقديم ··· (9)
--------------------------------------------------------------------------------
جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرّة ، لأ نّه يدفع عن أديان محبّينا ، وذلك
يدفع عن أبدانهم .
عن الإمام الكاظم عليه‏السلام قال : فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين
عنّا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه ، أشدّ على إبليس من ألف عابد ، لأنّ
العابد همّه ذات نفسه فقط ، وهذا همّه مع ذات نفسه ذات عباد اللّه‏ وإمائه لينقذهم
من يد إبليس ومردته ، فذلك هو أفضل عند اللّه‏ من ألف ألف عابد ، وألف ألف
عابدة .
عن الإمام الجواد عليه‏السلام قال : من تكفّل بأيتام آل محمّد المنقطعين عن
إمامهم المتحيّرين في جهلهم ، الاُسراء في أيدي شياطينهم ، وفي أيدي النواصب
من أعدائنا فاستنذقهم منهم وأخرجهم من حيرتهم ، وقهر الشياطين بردّ
وساوسهم ، وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودليل أئمّتهم ليفضلون عند اللّه‏ تعالى على
العباد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي
والحجب على السماء ، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى
كوكب في السماء .
وعن الإمام الهادي عليه‏السلام قال : لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه‏السلام من
العلماء الداعين إليه ، والدالّين عليه ، والذابّين عن دينه بحجج اللّه‏ ، والمنقذين
لضعفاء عباد اللّه‏ من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلاّ
ارتدّ عن دين اللّه‏ ، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك
صاحب السفينة سكّانها ، اُولئك هم الأفضلون عند اللّه‏ عزّ وجلّ .
قال أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام : من قوّى مسكينا في دينه ، ضعيفا في معرفته ،
(10) ··· منية الأشراف في كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
على ناصب مخالف فأفحمه ، لقّنه اللّه‏ يوم يدلى في قبره أن يقول : اللّه‏ ربّي ، ومحمّد
نبيّي ، وعليّ وليّي ، والكعبة قبلتي ، والقرآن بهجتي وعدّتي ، والمؤمنون إخواني .
فيقول اللّه‏ : أدليت بالحجّة فوجبت لك أعالي درجات الجنّة . فعند ذلك يتحوّل
عليه قبره أنزه رياض الجنّة .
قالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام ـ وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شيء من
أمر الدين ، إحداهما معاندة والاُخرى مؤمنة ، ففتحت على المؤمنة حجّتها
فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحا شديدا ـ فقالت فاطمة عليهاالسلام : إنّ فرح
الملائكة باستظهارك عليها أشدّ من فرحكِ ، وإنّ حزن الشيطان ومردته لحزنها
أشدّ من حزنها ، وإنّ اللّه‏ تعالى قال لملائكته : أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه
المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ممّا كنت أعددت لها ، واجعلوا هذه
سُنّةً في كلّ من يفتح على أسير مسكين ، فيغلب معاندا مثل ألف ألف ما كان معدّا له
من الجنان .
قال الإمام الصادق عليه‏السلام : من كان همّه في كسر النواصب عن المساكين من
شيعتنا الموالين لنا أهل البيت يكسرهم عنّا ، ويكشف عن مخازيهم ، ويبيّن
عوراتهم ، ويفخّم أمر محمّد وآله صلوات اللّه‏ عليهم ، جعل اللّه‏ همّه أملاك الجنان
في بناء قصوره ودوره ، يستعمل بكلّ حرف من حروف حججه على أعداء اللّه‏
أكثر من عدد أهل الدنيا أملاكا ، قوّة كلّ واحد تفضل عن حمل السماوات
والأرض ، فلكم من بناء وكم من نعمة وكم من قصور لا يعرف قدرها إلاّ ربّ
العالمين ؟
ولا يخفى أنّ الروايات في هذا الباب كثيرة ، وما أكثرها في فضل العلم
تقديم ··· (11)
--------------------------------------------------------------------------------
والعلماء .
بحار الأنوار بالإسناد عن أبي محمّد العسكري عليه‏السلام أ نّه اتّصل به أنّ رجلاً
من فقهاء شيعته كلّم بعض النصّاب ، فأفحمه بحجّته ، حتّى أبان عن فضيحته ،
فدخل على عليّ بن محمّد عليه‏السلام وفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب وهو قاعد
خارج الدست ، وبحضرته خلق من العلويّين وبني هاشم ، فما زال يرفعه حتّى
أجلسه في ذلك الدست ، وأقبل عليه ، فاشتدّ ذلك على اُولئك الأشراف .
فأمّا العلويّة فأجلّوه عن العتاب .
وأمّا الهاشميّون فقال له شيخهم : يا ابن رسول اللّه‏ هكذا تؤثر عاميّا على
سادات بني هاشم من الطالبيّين والعبّاسيين ؟
فقال عليه‏السلام : إيّاكم وأن تكونوا من الذين قال اللّه‏ تعالى : « أ لَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ
اُوتُوا نَصِيبا مِنْ الكِتَابِ يُدْعَوْنَ إلَى كِتَابِ اللّه‏ِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ
وَهُمْ مُعْرِضُونَ »(1) أترضون بكتاب اللّه‏ عزّ وجلّ حكما ؟
قالوا : بلى .
قال : أليس اللّه‏ يقول : « يَا أ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي
المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّه‏ُ لَكُمْ » ـ إلى قوله ـ « وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ
دَرَجَاتٍ »(2) فلم يرضَ للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على غير العالم ، كما لم يرضَ
للمؤمن إلاّ أن يرفع على من ليس بمؤمن أخبروني عنه ؟ قال : ( يرفع اللّه‏ الذين
--------------------------------------------------------------------------------
(1) آل عمران : 23 .
(2) المجادلة : 11 .
(12) ··· منية الأشراف في كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
آمنوا منكم والذين اُوتوا العلم درجات ) أو قال : يرفع اللّه‏ الذين اُوتوا أشرف
الحسب درجات ؟ أوَ ليس قال اللّه‏ : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ »(1) ؟ فكيف تنكرون رفعي لهذا لمّا رفعه اللّه‏ ؟ إنّ كسر هذا لفلان الناصب
بحجج اللّه‏ التي علّمه إيّاها لأفضل له من كلّ شرف في النسب .
فقال العبّاسي : يا ابن رسول اللّه‏ ، قد شرّفت علينا وقصّرتنا عمّن ليس له
نسب كنسبنا ، وما زال منذ أوّل الإسلام يقدّم الأفضل في الشرف على من دونه
فيه .
فقال عليه‏السلام : سبحان اللّه‏ ، أليس العبّاس بايع لأبي بكر وهو تيميّ والعبّاس
هاشميّ ؟ أوَ ليس عبد اللّه‏ بن العبّاس كان يخدم عمر بن الخطّاب وهو هاشمي
أبو الخلفاء ـ أي الخلفاء العبّاسيين ـ وعمر عَدَوي ؟ وما بال عمر أدخل البعداء
من قريش في الشورى ولم يدخل العبّاس ؟ فإن كان رفعنا لمن ليس بهاشمي على
هاشمي منكرا فأنكروا على العبّاس بيعته لأبي بكر ، وعلى عبد اللّه‏ بن العبّاس
خدمته لعمر بعد بيعته ، فإن كان ذلك جائزا فهذا جائز ـ وهذا من الجواب
النقضي ـ فكأ نّما ألقم الهاشمي حجرا .
وعن أبي محمّد عليه‏السلام أ نّه قال لبعض تلامذته لمّا اجتمع قوم من الموالي
والمحبّين لآل رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بحضرته وقالوا : يا ابن رسول اللّه‏ ، إنّ لنا جارا
من النصّاب يؤذينا ويحتجّ علينا في تفضيل الأوّل والثاني والثالث على
أمير المؤمنين عليه‏السلام ، ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الزمر : 9 .
تقديم ··· (13)
--------------------------------------------------------------------------------
منها ؟ قال : مر بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلّمون فتسمّع عليهم ، فيستدعون منك
الكلام فتكلّم وأفحم صاحبهم ، واكسر عزّته وفلّ حدّته ، ولا تبقِ له باقيةً ، فذهب
الرجل وحضر الموضع وحضروا وكلّم الرجل فأفحمه وصيّره لا يدري في السماء
هو أو في الأرض ، قالوا : فوقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلاّ اللّه‏ ، وعلى
الرجل والمتعصّبين له من الحزن والغمّ مثل ما لحقنا من السرور ، فلمّا رجعنا إلى
الإمام قال لنا : إنّ الذي في السماوات من الفح والطرب بكسر هذا العدوّ للّه‏ كان
أكثر ممّا كان بحضرتكم ، والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته من الشياطين
من الحزن والغمّ أشدّ ممّا كان بحضرتهم ، ولقد صلّى على هذا الكاسر له ملائكة
السماء والحجب والكرسي ، وقابلها اللّه‏ بالإجابة فأكرم إيابه وعظّم ثوابه ، ولقد
لعنت تلك الملائكة عدوّ اللّه‏ المكسورة وقابلها اللّه‏ بالإجابة فشدّد حسابه وأطال
عذابه .
أجل ، مثل هؤلاء العلماء الأعلام في شيعة أهل البيت عليهم‏السلام كمثل الشمس
المشرقة والوضّاءة في رائعة النهار ، تمتدّ خيوطها الذهبيّة في كلّ الأعصار
والأمصار ، جيلاً بعد جيل ، وإنّهم من أهل بيت النبوّة كما قال الإمام الصادق عليه‏السلام :
« إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهما ولا دينارا ، وإنّما
أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّا وافرا ، فانظروا
علمكم هذا عمّن تأخذونه ، فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه
تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين » .
ونفي هذا التحريف والانتحال والتأويل تارةً بلسانهم واُخرى بأقلامهم
ومدادهم المبارك ، وإنّها أفضل من دماء الشهداء .
(14) ··· منية الأشراف في كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
عن الإمام الصادق عليه‏السلام قال : إذا كان يوم القيامة جمع اللّه‏ عزّ وجلّ الناس
في صعيد واحد ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء ، فيرجّح
مداد العلماء على دماء الشهداء(1) .
ومؤلّف كتاب ( الإنصاف ) المحدّث الشهير السيّد هاشم البحراني قدس‏سره ممّن
قيّضه اللّه‏ في عصره ، وإلى يوم ظهور وليّه عليه‏السلام بلسانه وقلمه ، أن ينفي عن الدين
والمذهب تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، وبكتابه القيّم هذا
قد رفع النقاب عن وجوه المنحرفين الضالّين والمضلّين ، وأبان الحقّ وأوضحه
باُسلوب رصين ، وبرهان متين ، فللّه درّه وعليه أجره ، وجزاه اللّه‏ وجزى
المحقّقين الفاضلين الزبيدي والعلي عن الإسلام وأهله خير الجزاء وأحسن
العطاء ، أملي منهما الدعاء ومواصلة السير وإكمال الأشواط في خدمة الدين
والحوزات العلميّة والاُمّة الإسلاميّة .
عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد اللّه‏ الإمام الصادق عليه‏السلام : رجل
راوية لحديثكم يثبت ذلك في الناس ، ويشدّده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ، ولعلّ
عابد من شيعتكم ليست له هذه الرواية ، أ يّهما أفضل ؟ قال عليه‏السلام : الراوية لحديثنا
يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد .
وعن أمير المؤمنين عليه‏السلام قال : قلت : يا رسول اللّه‏ ، من خلفاؤك ؟ قال :
الذين يأتون بعدي ويروون حديثي وسنّتي .
وفي الحديث الشريف : اعرفوا منازل الرجال على قدر رواياتهم عنّا .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 2 : 14 .
تقديم ··· (15)
--------------------------------------------------------------------------------
وفي حديث آخر : اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم
عنّا ، فإنّا لا نعدّ الفقيه منهم فقيها حتّى يكون محدّثا ، فقيل له : أوَ يكون المؤمن
محدّثا ؟ قال : يكون مفهّما ، والمفهّم محدّث .
هذا وقد أجزت الفاضلين أن يرويا عنّي ما صحّت لي روايته من طرقي
الخاصّة التي تبلغ العشرين من مشايخي العظام ـ رحم اللّه‏ الماضين وحفظ
الباقين ـ واُوصيهما ونفسي وكلّ الإخوان والأعزّاء بتقوى اللّه‏ والورع عن
محارمه ، والزهد بهذه الدنيا الدنيّة ، والتقرّب إليه بالطاعات ، ولا سيّما بصلاة الليل
وتلاوة القرآن الكريم والتمسّك والتوسّل بالنبيّ وآله الطاهرين عليهم‏السلام ، ورجائي
منهما أن لا ينسياني من صالح دعواتهما ، كما لا أنساهما إن شاء اللّه‏ تعالى ، واللّه‏
الموفّق للصواب ، وآخر دعوانا أن الحمد للّه‏ ربّ العالمين .
واللّه‏ المسدّد والموفّق ، إنّه خير ناصر ومعين ، والحمد للّه‏ أوّلاً وآخرا .
العبد
عادل بن السيّد علي العلوي
قم المقدّسة ـ الحوزة العلمية
16 شعبان المعظّم 1423 ه ق
(16) ··· منية الأشراف في كتاب الإنصاف
بعد  فهرست  قبل 
نسخ الرابط :  
 ." جميع الحقوق محفوظة للمؤسسة الإسلامِة العالمية " التبليغ و الإرشاد .
   
العربية    فارسي    English