(2)
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد للّه كما هو أهله
ومستحقّه ، والصلاة
والسلام على الهادي
البشير
والقائم النذير ، أشرف
خلق اللّه ، سيّد
الأنبياء والمرسلين محمّد
، وعلى آله
المعصومين أركان البلاد ،
وساسة العباد ، والأئمة
الهداة .
سبحانك يا ربّنا اللطيف
الخبير العليم القدير ،
فإنّك مدبّري ولست أدري ،
فما هذه الألطاف الخفيّة
، والنِّعم الجليّة على
العباد ، فبين آن وآن
تتعرّف لخلقك
ليعرفونك فيطلبونك ،
فإنّه من عرف طلب ، ومن
طلب وجد ، ومن وجد عشق ،
والعاشق يتّحد مع معشوقه
، ويفنى في حبّ حبيبه
وعشق معشوقه ، فمن عرفك
طلبك ، ومن طلبك وجدك ،
ومن وجدك عشقك ، ومن عشقك
عشقته ، فأنت
العاشق وأنت المعشوق ،
سبحانك سبحانك جلّ جلالك
، وعظم إحسانك .
وما أروع وأجمل الحبّ
والعشق الذي يكون بين
العبد وبين مولاه ،
فيكفيه
يا ربّ فخرا ، أن يكون لك
عبدا ، وكفاه عزّا أن
تكون له ربّا ، وينتهي به
طواف
العشق إلى مقام الفناء
باللّه وفي اللّه
وللّه ، ويغرق حينئذٍ في
جمال أسمائك الحسنى ،
ويسبّح في سبحات جلال
صفاتك العليا ، وما من
شيء إلاّ ويسبّح بحمدك ،
فيأنس
(3)
--------------------------------------------------------------------------------
بك ويطمئن قلبه بذكرك ،
ويستوحش من غيرك(1) .
أيا سيّدي ومولاي ، أوَ
لست أنت المدبّر للاُمور
، وإنّ يدك الغيبيّة
المتمثّلة
بإمام الزمان المهدي
المنتظر ترعانا ، وحناك
القدسي وفيضك الأقدس
المتجسّد
بأنفاس وليّ أمرنا الثاني
عشر يحفظنا ، فلا أدري
أبلساني الكالّ أشكرك أم
بعملي
القاصر اُثني عليك ، وكيف
وأ نّى يكون ذلك ...
هيهات فلا حيلة لنا إلاّ
الاعتراف
بالعجز والتقصير ، وإنّك
الغفور الرحيم .
يا ربّي ويا معبودي
ومدبّري ، إيّاك نعبد
وإيّاك نستعين ، وما أجمل
وأعظم
لطفك الحسن الجميل ، ففي
شهر شعبان المعظّم ، شهر
نبيّك الأكرم
صلىاللهعليهوآله ،
وفي اُسبوع
واحد يُتحفني إخوان الصفا
من فضلاء ومشايخ العراق
والبحرين ، بكتابيهما
القيّمين ، لأكتب لهما
مقدّمةً وتقريظا ، لحسن
ظنّهما بالكاتب .
ففي بداية الاُسبوع سرّحت
بريد النظر في كتاب (
الآيات الباهرة في العترة
الطاهرة ) فوجدته كتابا
ثمينا يبحث عن الخلافة
والإمامة الحقّة بعد رسول
اللّه
صلىاللهعليهوآله
من خلال الآيات القرآنية
، بقلم سماحة الشيخ
الجليل الحجّة الشيخ مهدي
البحراني دامت بركاته ،
فكتبت له مقدّمة في أكثر
من 30 صفحة خلال سويعات ،
وما ذلك إلاّ عشقا وشوقا
وتقرّبا إلى اللّه وإلى
رسوله وأهل بيته
عليهمالسلام . وفي نهاية
الاُسبوع تشرّفت بالكتاب
الثاني ( الإنصاف في
النصّ على الأئمة الاثنى
عشر من
آل محمّد الأشراف ) من
تأليفات المحقّق الكبير
آية اللّه المحدّث
الشهير السيّد
هاشم البحراني قدسسره
فوجدته كتابا قيّما قد
حقّقه وأخرجه في حلّته
الجديدة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) ورد عن الإمام الحسن
العسكري عليهالسلام : من
استأنس باللّه استوحش من
النار . شرحت ذلك
في رسالة ( مقام الاُنس
باللّه ) ، مطبوع .
(4) ··· منية الأشراف في
كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
الفاضلان الجليلان الححّة
الشيخ سلام الزبيدي
والشيخ يوسف العلي دام
عزّهما ،
وألفيته يتحدّث عن
الإمامة الحقّة أيضا ،
إلاّ أ نّه من خلال
السنّة الشريفة
والأحاديث المرويّة عن
الرسول الأعظم وأهل بيته
الأطهار عليهمالسلام
فقلت في نفسي
( سبحان اللّه ) كلا
المؤلّفَين والكتابين من
البحرين « مَرَجَ
البَحْرَيْنِ
يَلْتَقِيَانِ *
بَـيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا
يَـبْغِيَانِ »(1) فهذا
يستدلّ بكتاب اللّه
والآخر بسنّة رسوله ،
وكأنّ
اللّه سبحانه أراد أن
يذكّرني وغيري أنّ
الإمامة الحقّة ثابتة
بالكتاب الكريم والسنّة
الشريفة المتمثّلة
بالعترة الهادية ،
فإنّهما المصدر للمعارف
الإلهيّة والأحكام
الشرعيّة وثقافتنا
الإسلامية ، فهما الثقلان
بعد رسول اللّه ،
وإنّهما لن يفترقا في كلّ
شيء أحدهما يدعو إلى
الآخر ، وكلاهما كلام
اللّه إلاّ أنّ أحدهما
الصامت
التدويني العلمي ، والآخر
الناطق التكويني العيني ،
ما أن تمسّكنا بهما ، لن
نضلّ
أبدا ، كما جاء في ( حديث
الثقلين ) الثابت
والمتواتر عند الفريقين ـ
السنّة
والشيعة ـ .
فأحد الكتابين يكمّل
الآخر لمن أراد أن يعرف
الحقّ ويبحث عن
الحقيقة ، فما عليه إلاّ
أن يرجع إلى آيات اللّه
الباهرة ، وأحاديث النبيّ
والعترة
الطاهرة .
أجل ، أ يّها المسلم ، أ
يّتها المسلمة ، إنّ
اللّه سبحانه وتعالى سوف
يسألنا يوم
القيامة ـ وإذا مات المرء
قامت قيامته ـ فيسألنا
منذ بداية الرحلة إلى
عالم الآخر ،
لقوله تعالى : «
وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ
مَسْؤُولُونَ »(2) فيا
ترى عن أيّ شيء يكون
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الرحمن : 19 ـ 20 .
(2) الصافّات : 24 .
تقديم ··· (5)
--------------------------------------------------------------------------------
السؤال ؟ !
لا يسأل عن طعام وشراب
فإنّه أكرم الأكرمين ،
وليس من شيمة الكرماء
أن يسألوا عن طعام أطعموه
، فسبحانه لا يسأل عن مثل
المأكولات والمشروبات
المحلّلة ، وإن كان في
حلالها حساب ، وفي حرامها
عقاب ، وفي الشبهات
عتاب .
إلاّ أ نّه يسأل أوّلاً
عمّا هو الأهمّ ، ألا وهو
الإيمان القلبي الكامل ،
الذي فيه
سعادة الدارين .
فإنّه يسأل عن التوحيد (
مَن ربّك ) ، ثمّ يسأل عن
النبوّة ( مَن نبيّك ) ،
ثمّ
يسأل عن إمام زمانك ( مَن
إمامك ) ، فإنّه الوسيط
بين الخالق والخلق بعد
النبيّ ،
فإنّ الإمامة إنّما هي
امتداد لخطّ النبوّة بكلّ
معالمها وعوالمها ، إلاّ
تلقّي الوحي ،
كما أنّ النبوّة امتداد
لخطّ التوحيد ، فالإيمان
إنّما يكمل بالإمامة
وبمعرفة الإمام ،
وهذه حقيقة ثابتة
بالأدلّة القاطعة
والبراهين الساطعة من
العقل السليم والقرآن
الكريم والسنّة الشريفة ،
فلا يمكن إنكارها ، أو
التغافل عنها .
فقد ثبت عند الفريقين ـ
السنّة والشيعة ـ أنّ
الرسول الأكرم محمّد
صلىاللهعليهوآله ،
قال : ستفترق اُمّتي ثلاث
وسبعين فرقة ، واحدة
ناجية والباقية من
الهالكين .
فمن هذه الفرقة الناجية ؟
! وما الدليل على ذلك ؟
ثمّ مَن هو إمام زمانك ؟
فإنّ رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله قال
ـ كما هو ثابت عند
الفريقين ـ : من مات ولم
يعرف إمام زمانه مات ميتة
الجاهلية ، ميتة الكفر
والضلال .
أقولها بصراحة : إنّ
المتمسّك بالثقلين (
القرآن والعترة ) لا يكون
ضالاً ،
(6) ··· منية الأشراف في
كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
ولا يموت كافرا ، فحينئذٍ
لا بدّ لكلّ واحد منّا أن
يعرف إمام زمانه ، كي
يُسعد في
حياته ، وينجو من عذاب
اللّه ومن عقابه في
آخرته ، ويدخل الجنّة
وينال ثوابه ،
ولا سبيل إلى ذلك إلاّ
الإيمان الكامل والمستكمل
بالتوحيد والنبوّة
والإمامة
والخلافة الحقّة .
ثمّ الكتاب الذي بين يديك
الكريمتين ، قويم في
برهانه ، رصين في بيانه ،
بديع في تفصيله ، ورفيع
في تبويبه ، يدعوك إلى
معرفة الحقّ الذي لا بدّ
منه ،
والذي ستُسأل عنه في
النشأتين . فجمع لك
مؤلّفه ـ للّه درّه ـ
بين دفّتيه ، الأحاديث
الشريفة المسندة
والمعنعنة الواردة بطرق
العامّة والخاصّة ،
والدالّة على إمامة
الأئمة الاثني عشر
عليهمالسلام ، فنهج
منهجا جميلاً بترتيب
الكتاب على حسب
الحروف الهجائيّة باعتبار
آخر الرواة في سلسلة كلّ
حديث والذي ينقل عن
المعصوم عليهالسلام ،
وقد أجاد وأبدع بما فاض
من يراعه المقدّس ، يرجع
إليه من كان
منصفا فيقبله ، ويستضيء
بنوره من كان مؤمنا
فيحمله ، ينتفع من منبع
وجوده ،
ويهتدي من فيض جوده ،
ويعرف أنّ الإمامة الحقّة
إنّما هي مرجعيّة دنيوية
ودينية ، ورئاسة عامّة (
في عالم الخلق ) في اُمور
الدين والدنيا ، كما أ
نّها مرجعية
تكوينية ( من عالم الأمر
) وإنّها من سنن اللّه
في عالم التكوين ، إذ
الإمام قطب
عالم الإمكان ، وخليفة
الرحمن في الزمان والمكان
، محور الموجودات ، ومركز
الممكنات ، وإنّما يحمل
هذه المرجعيّات بحقّ بعد
الرسول المختار
صلىاللهعليهوآله بنصّ
من
اللّه ونصب من رسوله هم
الأئمة الاثني عشر
عليهمالسلام .
ويكفيك دليلاً ما جاء في
هذا الكتاب القيّم ،
فإنّه تحفة الأشراف لمن
كان
عنده الإنصاف .
تقديم ··· (7)
--------------------------------------------------------------------------------
« يَا أ يُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّـقُوا
اللّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيدا *
يُصْلِـحْ لَكُمْ
أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُ نُوبَكُمْ »(1)
.
« وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلاً
مِمَّنْ دَعَا إلَى
اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحا
وَقَالَ إنَّنِي مِنَ
المُسْلِمِينَ »(2) .
« وَذَ كِّرْ فَإنَّ
الذِّكْرَى تَنفَعُ
المُؤْمِنِينَ »(3) .
« وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
»(4) .
وما أعظم أجر من دعا إلى
اللّه بالحكمة والموعظة
الحسنة ، وهدى الناس
إلى معرفة الحقّ ومتابعته
، وإنكار الباطل واجتنابه
، وعرّفهم الواجب عليهم
في
اُصول دينهم وفروعه
وأخلاقه .
عن أبي محمّد الإمام
العسكري عليهالسلام قال
: حدّثني أبي ، عن آبائه
، عن
رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله ، أ
نّه قال : أشدّ من يُتم
اليتيم الذي انقطع عن
أبيه ، يُتم يتيم انقطع
عن إمامه ، ولا يقدر على
الوصول إليه ، ولا يدري
كيف حكمه فيما يبتلى به
من
شرائع دينه ، ألا فمن كان
من شيعتنا عالما بعلومنا
، وهذا الجاهل بشريعتنا ،
المنقطع عن مشاهدتنا يتيم
في حجره ، ألا فمن هداه
وأرشده وعلّمه شريعتنا ،
كان
معنا في الرفيق الأعلى(5)
.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأحزاب : 70 ـ 71 .
(2) فصّلت : 33 .
(3) الذاريات : 55 .
(4) العصر : 3 .
(5) البحار 2 : 2 .
(8) ··· منية الأشراف في
كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
وعنه عليهالسلام قال :
قال عليّ بن أبي طالب
عليهالسلام : من كان من
شيعتنا عالما
بشريعتنا ، فأخرج ضعفاء
شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى
نور العلم الذي حبوناه به
،
جاء يوم القيامة وعلى
رأسه تاج من نور يُضيء
لأجل جميع العرصات ،
وعليه
حلّة لا يُقوّم لأقلّ سلك
منها الدنيا بحذافيرها ،
ثمّ ينادي منادٍ : يا
عباد اللّه ،
هذا عالم من تلامذة بعض
علماء آل محمّد ، ألا فمن
أخرجه في الدنيا من حيرة
جهله ، فليتشبّث بنوره
ليخرجه من حيرة ظلمة هذه
العرصات إلى نزه الجناه
فيخرج كلّ من كان علّمه
في الدنيا خيرا ، أو فتح
عن قلبه من الجهل قفلاً ،
أو
أوضح له شبهة .
قال الإمام عليّ بن
الحسين زين العابدين
عليهالسلام : أوحى
اللّه تعالى إلى
موسى : حبّبني إلى خلقي ،
وحبّب خلقي إليَّ ، قال :
يا ربِّ كيف أفعل ؟ قال :
ذكّرهم آلائي ونعمائي
ليحبّوني ، فلإن تردّ
آبقا عن بابي ، أو ضالاً
عن فنائي
أفضل لك من عبادة مائة
سنة بصيام نهارها وقيام
ليلها ، قال موسى : ومن
هذا العبد
الآبق منك ؟ قال : العاصي
المتمرّد ، قال : فمن
الضالّ عن فنائك ؟ قال :
الجاهل
بإمام زمانه تعرّفه ،
والغائب بعدما عرفه ،
الجاهل بشريعة دينه ،
تعرّفه شريعته
وما يعبد به ربّه ،
ويتوصّل به إلى مرضاته .
قال عليّ بن الحسين
عليهماالسلام : فأبشروا
علماء شيعتنا بالثواب
الأعظم
والجزاء الأوفر .
عن الإمام الصادق
عليهالسلام قال : علماء
شيعتنا مرابطون بالثغر
الذي يلي
إبليس وعفاريته ،
يمنعونهم عن الخروج على
ضعفاء شيعتنا ، وعن أن
يتسلّط
عليهم إبليس وشيعته
النواصب ، ألا فمن انتصب
لذلك من شيعتنا كان أفضل
ممّن
تقديم ··· (9)
--------------------------------------------------------------------------------
جاهد الروم والترك والخزر
ألف ألف مرّة ، لأ نّه
يدفع عن أديان محبّينا ،
وذلك
يدفع عن أبدانهم .
عن الإمام الكاظم
عليهالسلام قال : فقيه
واحد ينقذ يتيما من
أيتامنا المنقطعين
عنّا وعن مشاهدتنا بتعليم
ما هو محتاج إليه ، أشدّ
على إبليس من ألف عابد ،
لأنّ
العابد همّه ذات نفسه فقط
، وهذا همّه مع ذات نفسه
ذات عباد اللّه وإمائه
لينقذهم
من يد إبليس ومردته ،
فذلك هو أفضل عند اللّه
من ألف ألف عابد ، وألف
ألف
عابدة .
عن الإمام الجواد
عليهالسلام قال : من
تكفّل بأيتام آل محمّد
المنقطعين عن
إمامهم المتحيّرين في
جهلهم ، الاُسراء في أيدي
شياطينهم ، وفي أيدي
النواصب
من أعدائنا فاستنذقهم
منهم وأخرجهم من حيرتهم ،
وقهر الشياطين بردّ
وساوسهم ، وقهر الناصبين
بحجج ربّهم ودليل أئمّتهم
ليفضلون عند اللّه تعالى
على
العباد بأفضل المواقع
بأكثر من فضل السماء على
الأرض والعرش والكرسي
والحجب على السماء ،
وفضلهم على هذا العابد
كفضل القمر ليلة البدر
على أخفى
كوكب في السماء .
وعن الإمام الهادي
عليهالسلام قال : لولا
من يبقى بعد غيبة قائمنا
عليهالسلام من
العلماء الداعين إليه ،
والدالّين عليه ،
والذابّين عن دينه بحجج
اللّه ، والمنقذين
لضعفاء عباد اللّه من
شباك إبليس ومردته ، ومن
فخاخ النواصب ، لما بقي
أحد إلاّ
ارتدّ عن دين اللّه ،
ولكنّهم الذين يمسكون
أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة
كما يمسك
صاحب السفينة سكّانها ،
اُولئك هم الأفضلون عند
اللّه عزّ وجلّ .
قال أمير المؤمنين عليّ
عليهالسلام : من قوّى
مسكينا في دينه ، ضعيفا
في معرفته ،
(10) ··· منية الأشراف في
كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
على ناصب مخالف فأفحمه ،
لقّنه اللّه يوم يدلى في
قبره أن يقول : اللّه
ربّي ، ومحمّد
نبيّي ، وعليّ وليّي ،
والكعبة قبلتي ، والقرآن
بهجتي وعدّتي ، والمؤمنون
إخواني .
فيقول اللّه : أدليت
بالحجّة فوجبت لك أعالي
درجات الجنّة . فعند ذلك
يتحوّل
عليه قبره أنزه رياض
الجنّة .
قالت فاطمة الزهراء
عليهاالسلام ـ وقد اختصم
إليها امرأتان فتنازعتا
في شيء من
أمر الدين ، إحداهما
معاندة والاُخرى مؤمنة ،
ففتحت على المؤمنة حجّتها
فاستظهرت على المعاندة
ففرحت فرحا شديدا ـ فقالت
فاطمة عليهاالسلام : إنّ
فرح
الملائكة باستظهارك عليها
أشدّ من فرحكِ ، وإنّ حزن
الشيطان ومردته لحزنها
أشدّ من حزنها ، وإنّ
اللّه تعالى قال
لملائكته : أوجبوا لفاطمة
بما فتحت على هذه
المسكينة الأسيرة من
الجنان ألف ألف ضعف ممّا
كنت أعددت لها ، واجعلوا
هذه
سُنّةً في كلّ من يفتح
على أسير مسكين ، فيغلب
معاندا مثل ألف ألف ما
كان معدّا له
من الجنان .
قال الإمام الصادق
عليهالسلام : من كان
همّه في كسر النواصب عن
المساكين من
شيعتنا الموالين لنا أهل
البيت يكسرهم عنّا ،
ويكشف عن مخازيهم ،
ويبيّن
عوراتهم ، ويفخّم أمر
محمّد وآله صلوات اللّه
عليهم ، جعل اللّه همّه
أملاك الجنان
في بناء قصوره ودوره ،
يستعمل بكلّ حرف من حروف
حججه على أعداء اللّه
أكثر من عدد أهل الدنيا
أملاكا ، قوّة كلّ واحد
تفضل عن حمل السماوات
والأرض ، فلكم من بناء
وكم من نعمة وكم من قصور
لا يعرف قدرها إلاّ ربّ
العالمين ؟
ولا يخفى أنّ الروايات في
هذا الباب كثيرة ، وما
أكثرها في فضل العلم
تقديم ··· (11)
--------------------------------------------------------------------------------
والعلماء .
بحار الأنوار بالإسناد عن
أبي محمّد العسكري
عليهالسلام أ نّه اتّصل
به أنّ رجلاً
من فقهاء شيعته كلّم بعض
النصّاب ، فأفحمه بحجّته
، حتّى أبان عن فضيحته ،
فدخل على عليّ بن محمّد
عليهالسلام وفي صدر
مجلسه دست عظيم منصوب وهو
قاعد
خارج الدست ، وبحضرته خلق
من العلويّين وبني هاشم ،
فما زال يرفعه حتّى
أجلسه في ذلك الدست ،
وأقبل عليه ، فاشتدّ ذلك
على اُولئك الأشراف .
فأمّا العلويّة فأجلّوه
عن العتاب .
وأمّا الهاشميّون فقال له
شيخهم : يا ابن رسول
اللّه هكذا تؤثر عاميّا
على
سادات بني هاشم من
الطالبيّين والعبّاسيين ؟
فقال عليهالسلام :
إيّاكم وأن تكونوا من
الذين قال اللّه تعالى :
« أ لَمْ تَرَ إلَى
الَّذِينَ
اُوتُوا نَصِيبا مِنْ
الكِتَابِ يُدْعَوْنَ
إلَى كِتَابِ اللّهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ
مِنْهُمْ
وَهُمْ مُعْرِضُونَ »(1)
أترضون بكتاب اللّه عزّ
وجلّ حكما ؟
قالوا : بلى .
قال : أليس اللّه يقول :
« يَا أ يُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إذَا قِيلَ
لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي
المَجَالِسِ فَافْسَحُوا
يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ
» ـ إلى قوله ـ «
وَالَّذِينَ اُوتُوا
العِلْمَ
دَرَجَاتٍ »(2) فلم يرضَ
للعالم المؤمن إلاّ أن
يرفع على غير العالم ،
كما لم يرضَ
للمؤمن إلاّ أن يرفع على
من ليس بمؤمن أخبروني عنه
؟ قال : ( يرفع اللّه
الذين
--------------------------------------------------------------------------------
(1) آل عمران : 23 .
(2) المجادلة : 11 .
(12) ··· منية الأشراف في
كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
آمنوا منكم والذين اُوتوا
العلم درجات ) أو قال :
يرفع اللّه الذين اُوتوا
أشرف
الحسب درجات ؟ أوَ ليس
قال اللّه : « هَلْ
يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لا
يَعْلَمُونَ »(1) ؟ فكيف
تنكرون رفعي لهذا لمّا
رفعه اللّه ؟ إنّ كسر
هذا لفلان الناصب
بحجج اللّه التي علّمه
إيّاها لأفضل له من كلّ
شرف في النسب .
فقال العبّاسي : يا ابن
رسول اللّه ، قد شرّفت
علينا وقصّرتنا عمّن ليس
له
نسب كنسبنا ، وما زال منذ
أوّل الإسلام يقدّم
الأفضل في الشرف على من
دونه
فيه .
فقال عليهالسلام : سبحان
اللّه ، أليس العبّاس
بايع لأبي بكر وهو تيميّ
والعبّاس
هاشميّ ؟ أوَ ليس عبد
اللّه بن العبّاس كان
يخدم عمر بن الخطّاب وهو
هاشمي
أبو الخلفاء ـ أي الخلفاء
العبّاسيين ـ وعمر عَدَوي
؟ وما بال عمر أدخل
البعداء
من قريش في الشورى ولم
يدخل العبّاس ؟ فإن كان
رفعنا لمن ليس بهاشمي على
هاشمي منكرا فأنكروا على
العبّاس بيعته لأبي بكر ،
وعلى عبد اللّه بن
العبّاس
خدمته لعمر بعد بيعته ،
فإن كان ذلك جائزا فهذا
جائز ـ وهذا من الجواب
النقضي ـ فكأ نّما ألقم
الهاشمي حجرا .
وعن أبي محمّد
عليهالسلام أ نّه قال
لبعض تلامذته لمّا اجتمع
قوم من الموالي
والمحبّين لآل رسول
اللّه
صلىاللهعليهوآله
بحضرته وقالوا : يا ابن
رسول اللّه ، إنّ لنا
جارا
من النصّاب يؤذينا ويحتجّ
علينا في تفضيل الأوّل
والثاني والثالث على
أمير المؤمنين
عليهالسلام ، ويورد
علينا حججا لا ندري كيف
الجواب عنها والخروج
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الزمر : 9 .
تقديم ··· (13)
--------------------------------------------------------------------------------
منها ؟ قال : مر بهؤلاء
إذا كانوا مجتمعين
يتكلّمون فتسمّع عليهم ،
فيستدعون منك
الكلام فتكلّم وأفحم
صاحبهم ، واكسر عزّته
وفلّ حدّته ، ولا تبقِ له
باقيةً ، فذهب
الرجل وحضر الموضع وحضروا
وكلّم الرجل فأفحمه
وصيّره لا يدري في السماء
هو أو في الأرض ، قالوا :
فوقع علينا من الفرح
والسرور ما لا يعلمه إلاّ
اللّه ، وعلى
الرجل والمتعصّبين له من
الحزن والغمّ مثل ما
لحقنا من السرور ، فلمّا
رجعنا إلى
الإمام قال لنا : إنّ
الذي في السماوات من الفح
والطرب بكسر هذا العدوّ
للّه كان
أكثر ممّا كان بحضرتكم ،
والذي كان بحضرة إبليس
وعتاة مردته من الشياطين
من الحزن والغمّ أشدّ
ممّا كان بحضرتهم ، ولقد
صلّى على هذا الكاسر له
ملائكة
السماء والحجب والكرسي ،
وقابلها اللّه بالإجابة
فأكرم إيابه وعظّم ثوابه
، ولقد
لعنت تلك الملائكة عدوّ
اللّه المكسورة وقابلها
اللّه بالإجابة فشدّد
حسابه وأطال
عذابه .
أجل ، مثل هؤلاء العلماء
الأعلام في شيعة أهل
البيت عليهمالسلام كمثل
الشمس
المشرقة والوضّاءة في
رائعة النهار ، تمتدّ
خيوطها الذهبيّة في كلّ
الأعصار
والأمصار ، جيلاً بعد جيل
، وإنّهم من أهل بيت
النبوّة كما قال الإمام
الصادق عليهالسلام :
« إنّ العلماء ورثة
الأنبياء ، وذاك أنّ
الأنبياء لم يورّثوا
درهما ولا دينارا ،
وإنّما
أورثوا أحاديث من
أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء
منها فقد أخذ حظّا وافرا
، فانظروا
علمكم هذا عمّن تأخذونه ،
فإنّ فينا أهل البيت في
كلّ خلف عدولاً ينفون عنه
تحريف الغالين ، وانتحال
المبطلين ، وتأويل
الجاهلين » .
ونفي هذا التحريف
والانتحال والتأويل تارةً
بلسانهم واُخرى بأقلامهم
ومدادهم المبارك ، وإنّها
أفضل من دماء الشهداء .
(14) ··· منية الأشراف في
كتاب الإنصاف
--------------------------------------------------------------------------------
عن الإمام الصادق
عليهالسلام قال : إذا
كان يوم القيامة جمع
اللّه عزّ وجلّ الناس
في صعيد واحد ووضعت
الموازين فتوزن دماء
الشهداء مع مداد العلماء
، فيرجّح
مداد العلماء على دماء
الشهداء(1) .
ومؤلّف كتاب ( الإنصاف )
المحدّث الشهير السيّد
هاشم البحراني قدسسره
ممّن
قيّضه اللّه في عصره ،
وإلى يوم ظهور وليّه
عليهالسلام بلسانه وقلمه
، أن ينفي عن الدين
والمذهب تحريف الغالين
وانتحال المبطلين وتأويل
الجاهلين ، وبكتابه
القيّم هذا
قد رفع النقاب عن وجوه
المنحرفين الضالّين
والمضلّين ، وأبان الحقّ
وأوضحه
باُسلوب رصين ، وبرهان
متين ، فللّه درّه وعليه
أجره ، وجزاه اللّه وجزى
المحقّقين الفاضلين
الزبيدي والعلي عن
الإسلام وأهله خير الجزاء
وأحسن
العطاء ، أملي منهما
الدعاء ومواصلة السير
وإكمال الأشواط في خدمة
الدين
والحوزات العلميّة
والاُمّة الإسلاميّة .
عن معاوية بن عمّار ، قال
: قلت لأبي عبد اللّه
الإمام الصادق
عليهالسلام : رجل
راوية لحديثكم يثبت ذلك
في الناس ، ويشدّده في
قلوبهم وقلوب شيعتكم ،
ولعلّ
عابد من شيعتكم ليست له
هذه الرواية ، أ يّهما
أفضل ؟ قال عليهالسلام :
الراوية لحديثنا
يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل
من ألف عابد .
وعن أمير المؤمنين
عليهالسلام قال : قلت :
يا رسول اللّه ، من
خلفاؤك ؟ قال :
الذين يأتون بعدي ويروون
حديثي وسنّتي .
وفي الحديث الشريف :
اعرفوا منازل الرجال على
قدر رواياتهم عنّا .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 2 : 14 .
تقديم ··· (15)
--------------------------------------------------------------------------------
وفي حديث آخر : اعرفوا
منازل شيعتنا بقدر ما
يحسنون من رواياتهم
عنّا ، فإنّا لا نعدّ
الفقيه منهم فقيها حتّى
يكون محدّثا ، فقيل له :
أوَ يكون المؤمن
محدّثا ؟ قال : يكون
مفهّما ، والمفهّم محدّث
.
هذا وقد أجزت الفاضلين أن
يرويا عنّي ما صحّت لي
روايته من طرقي
الخاصّة التي تبلغ
العشرين من مشايخي العظام
ـ رحم اللّه الماضين
وحفظ
الباقين ـ واُوصيهما
ونفسي وكلّ الإخوان
والأعزّاء بتقوى اللّه
والورع عن
محارمه ، والزهد بهذه
الدنيا الدنيّة ،
والتقرّب إليه بالطاعات ،
ولا سيّما بصلاة الليل
وتلاوة القرآن الكريم
والتمسّك والتوسّل
بالنبيّ وآله الطاهرين
عليهمالسلام ، ورجائي
منهما أن لا ينسياني من
صالح دعواتهما ، كما لا
أنساهما إن شاء اللّه
تعالى ، واللّه
الموفّق للصواب ، وآخر
دعوانا أن الحمد للّه
ربّ العالمين .
واللّه المسدّد والموفّق
، إنّه خير ناصر ومعين ،
والحمد للّه أوّلاً
وآخرا .
العبد
عادل بن السيّد علي
العلوي
قم المقدّسة ـ الحوزة
العلمية
16 شعبان المعظّم 1423 ه
ق
(16) ··· منية الأشراف في
كتاب الإنصاف